الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ١٠
ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد.
إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد ومن يرد فيه بالحاد بظلم نذقه من عذاب أليم. وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئا وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود.
____________________
(ولؤلؤا) بالنصب على ويأتون لؤلؤا كقوله وحورا عينا، ولؤلؤا بقلب الهمزة الثانية واوا، ولوليا بقلبهما واوين ثم بقلب الثانية ياء كأدل ولول كأدل فيمن جر ولؤلؤ وليليا بقلبهما ياءين. عن ابن عباس: وهداهم الله: وألهمهم أن يقوله الحمد لله الذي صدقنا وعده وهداهم إلى طريق الجنة. يقال فلان يحسن إلى الفقراء وينعش المضطهدين، لا يراد حال ولا استقبال وإنما يراد استمرار وجود الاحسان منه والنعشة في جميع أزمنته وأوقاته، ومنه قوله تعالى (ويصدون عن سبيل الله) أي الصدود منهم مستمر دائم (للناس) أي الذين يقع عليهم اسم الناس من غير فرق بين حاضر وباد وتانئ وطارئ. ومكي وآفاقي، وقد استشهد به أصحاب أبي حنيفة قائلين: إن المراد بالمسجد الحرام مكة على امتناع جواز بيع دور مكة وإجارتها، وعند الشافعي لا يمتنع ذلك. وقد حاور إسحاق بن راهويه فاحتج بقوله - الذين أخرجوا من ديارهم - وقال: أنسب الديار إلى مالكيها أو غير مالكيها. واشترى عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه دار السجن من مالكيه أو غير مالكيه (سواء) بالنصب قراءة حفص والباقون على الرفع، ووجه النصب أنه ثاني مفعولي جعلناه: أي جعلناه مستويا (العاكف فيه والباد) وفي القراءة بالرفع الجملة مفعول ثان. الالحاد: العدول عن القصد وأصله إلحاد الحافر، وقوله (بإلحاد بظلم) حالان مترادفتان ومفعول يرد متروك ليتناول كل متناول كأنه قال: ومن يرد فيه مراد اما عادلا عن القصد ظالما (نذقه من عذاب أليم) يعنى أن الواجب على من كان فيه أن يضبط نفسه ويسلك طريق السداد والعدل في جميع ما يهم به ويقصده. وقيل الالحاد في الرحم: منه الناس عن عمارته. وعن سعيد بن جبير: الاحتكار. وعن عطاء: قول الرجل في المبايعة لا والله وبلى والله. وعن عبد الله بن عمر أنه كان له فسطاطان أحدهما في الحل والاخر في الحرم، فإذا أراد أن يعاتب أهله عاتبهم في الحل، فقيل له: فقال كنا نحدث أن من الالحاد فيه أن يقول الرجل: لا والله وبلى والله.
وقرئ يرد بفتح الياء من الورود ومعناه: من أتى فيه بإلحاد ظالما. وعن الحسن: ومن يرد إلحاده بظلم أراد إلحادا فيه فأضافه على الاتساع في الظرف كمكر الليل، ومعناه: من يرد أن يلحد فيه ظالما. وخبر إن محذوف لدلالة جواب الشرط عليه تقديره: إن الذين كفروا ويصدون عن المسجد الحرام نذيقهم من عذاب أليم وكل من ارتكب فيه ذنبا فهو كذلك. عن ابن مسعود: الهمة في الحرم تكتب ذنبا. واذكر حين جعلنا (لإبراهيم مكان البيت) مباءة: أي مرجعا يرجع إليه للعمارة والعبادة، رفع البيت إلى السماء أيام الطوفان وكان من ياقوتة حمراء، فأعلم الله إبراهيم مكانه بريح أرسلها يقال لها الخجوج كنست ما حوله فبناه على أسه القديم. وأن هي المفسرة. فإن قلت:
كيف يكون النهى عن الشرك والامر بتطهير البيت تفسيرا للتبوئة؟ قلت: كانت التبوئة مقصودة من أجل العبادة فكأنه قيل تعبدنا إبراهيم قلنا له (لا تشرك بي شيئا وطهر بيتي) من الأصنام والأوثان والأقذار أن تطرح حوله،
(١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 ... » »»