الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ١٥
القانع والمعتر كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون. لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم كذلك سخرها لكم لتكبروا الله على ما هداكم وبشر المحسنين * إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور.
أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير. الذين أخرجوا من
____________________
وعن عمرو ابن عبيد صوافنا بالتنوين عوضا من حرف الاطلاق عند الوقف. وعن بعضهم صواف نحو مثل العرب:
أعط القوس باريها، بسكون الياء. وجوب الجنوب وقوعها على الأرض من وجب الحائط وجبة إذا سقط، ووجبت الشمس جبة غربت، والمعنى: فإذا وجبت جنوبها وسكنت نسائسها حل لكم الاكل منها والاطعام (القائع) السائل من قنعت إليه وكنعت إذا خضعت له وسألته قنوعا (والمعترض) والمعترض بغير سؤال أو القانع الراضي بما عنده وبما يعطى من غير سؤال من قنعت قنعا وقناعة، والمعتر: المتعرض بسؤال. وقرأ الحسن: والمعترى وعره وعراه واعتراه واعتره بمعنى. وقرأ أبو رجاء القنع وهو الراضي لا غير يقال قنع فهو قنع وقانع. من الله على عباده واستحمد إليهم بأن سخر لهم البدن مثل التسخير الذي رأوا وعلموا يأخذونها منقادة للاخذ طيعة فيعقلونها ويحبسونها صافة قوائمها ثم يطعنون في لبانها، ولا تسخير الله لم تطق ولم تكن بأعجز من بعض الوحوش التي هي أصغر منها جرما وأقل قوة وكفى بما يتأبد من الإبل شاهدا وعبرة: أي لن يصيب رضا الله اللحوم المتصدق بها ولا الدماء المهراقة بالنحر، والمراد أصحاب اللحوم والدماء، والمعنى: لن يرضى المضحون والمقربون ربهم إلا بمراعاة النية والاخلاص والاحتفاظ بشروط التقوى في حل ما قرب به وغير ذلك من المحافظات الشرعية وأوامر الورع، فإذا لم يراعوا ذلك لم تغن عنهم التضحية والتقريب وإن كثر ذلك منهم. وقرء لن تنال الله ولكن تناله بالتاء والياء.
وقيل كان أهل الجاهلية إذا نحروا البدن نضحوا الدماء حول البيت ولطخوه بالدم، فلما حج المسلمون أرادوا مثل ذلك فنزلت. كرر تذكير النعمة بالتسخير ثم قال: لتشكروا الله على هدايته إياكم لاعلام دينه ومناسك حجه بأن تكبروا وتهللوا، فاختصر الكلام بأن ضمن التكبير معنى الشكر وعدى تعديته. خص المؤمنين بدفعه عنهم ونصرته لهم كما قال - إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا - وقال - إنهم لهم المنصورون - وقال - وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب - وجعل العلة في ذلك أنه لا يحب أضدادهم وهم الخونة الكفرة الذين يخونون الله والرسول ويخونون أماناتهم ويكفرون نعم الله ويغمطونها. ومن قرأ يدافع فمعناه يبالغ في الدفع عنهم كما يبالغ من يغالب فيه لان فعل المغالب يجئ أقوى وأبلغ. أذن ويقاتلون قرئا على لفظ المبنى للفاعل والمفعول جميعا، والمعنى: أذن لهم في القتال فحذف المأذون فيه لدلالة يقاتلون عليه (بأنهم ظلموا) أي بسبب كونهم مظلومين وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان مشركو مكة يؤذونهم أذى شديدا وكانوا يأتون رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين مضروب ومشجوج يتظلمون إليه فيقول لهم اصبروا فإني لم أومر بالقتال حتى هاجر، فأنزلت هذه الآية وهى أول آية أذن فيها بالقتال بعد ما نهى عنه في نيف وسبعين آية. وقيل نزلت في قوم خرجوا مهاجرين فاعترضهم مشركوا مكة فأذن لهم في مقاتلتهم. والاخبار بكونه قادرا على نصرهم عدة منه بالنصر واردة على سنن كلام
(١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 ... » »»