الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٩
إن الله يفعل ما يشاء * هذان خصمان اختصموا في ربهم فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار يصب من فوق رؤوسهم الحميم. يصهر به ما في بطونهم والجلود. ولهم مقامع من حديد. كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها وذوقوا عذاب الحريق. إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجرى من تحتها الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب
____________________
ظاهر بمعنى الطاعة والعبادة في حق هؤلاء لان اللفظ الواحد لا يصح استعماله في حالة واحدة على معنيين مختلفين أو أوقعه على الابتداء والخبر محذوف وهو مثاب لان خبر مقابله يدل عليه وهو قوله - حق عليه العذاب - ويجوز أن يجعل من الناس خبرا له: أي من الناس الذين هم الناس على الحقيقة وهم الصالحون والمتقون. ويجوز أن يبالغ في تكثير المحقوقين بالعذاب فيعطف كثير على كثير ثم يخبر عنهم بحق عليهم العذاب كأنه قيل: وكثير وكثير من الناس حق عليهم العذاب. وقرئ حق بالضم. وقرئ حقا: أي حق عليهم العذاب حقا. ومن أهانه الله بأن كتب عليه الشقاوة لما سبق في علمه من كفره أو فسقه فقد بقى مهانا لن تجد له مكرما. وقرئ مكرم بفتح الراء بمعنى الاكرام، إنه (يفعل ما يشاء) من الاكرام والإهانة ولا يشاء من ذلك إلا ما يقتضيه عمل العاملين واعتقاد المعتقدين.
الخصم صفة وصف بها الفوج أو الفريق فكأنه قيل: هذان فوجان أو فريقان مختصمان، وقوله هذان للفظ واختصموا للمعنى كقوله - ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا - ولو قيل هؤلاء خصمان أو اختصما جاز يراد المؤمنون والكافرون، قال ابن عباس: رجع إلى أهل الأديان الستة (في ربهم) أي في دينه وصفاته، وروى أن أهل الكتاب قالوا للمؤمنين: نحن أحق بالله وأقدم منكم كتابا ونبينا قبل نبيكم، وقال المؤمنون: نحن أحق بالله آمنا بمحمد وآمنا بنبيكم وبما أنزل الله من كتاب وأنتم تعرفون كتابنا ونبينا ثم تركتموه وكفرتم به حسدا، فهذه خصومتهم في ربهم (فالذين كفروا) هو فصل الخصومة المعنى بقوله تعالى - إن الله يفصل بينهم يوم القيامة - وفى رواية عن الكسائي خصمان بالكسر. وقرئ قطعت بالتخفيف كأن الله تعالى يقدر لهم نيرانا على مقادير جثثهم تشتمل عليهم كما تقطع الثياب الملبوسة، ويجوز أن تظاهر على كل واحد منهم تلك النيران كالثياب المظاهرة على اللابس بعضها فوق بعض ونحوه - سرابيلهم من قطران - (الحميم) الماء الحار. عن ابن عباس رضي الله عنه:
لو سقطت منه نقطة على جبال الدنيا لاذابتها (يصهر) يذاب. وعن الحسن بتشديد الهاء للمبالغة: أي إذا صب الحميم على رؤوسهم كان تأثيره في الباطن نحو تأثيره في الظاهر، فيذيب أحشاءهم وأمعاءهم كما يذيب جلودهم وهو أبلغ من قوله - وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم - والمقامع: السياط في الحديث " لو وضعت مقمعة منها في الأرض فاجتمع عليها الثقلان ما أقلوها ". وقرأ الأعمش ردوا فيها والإعادة، والرد لا يكون إلا بعد الخروج، فالمعنى:
كما أرادوا أن يخرجوا منها من غم فخرجوا أعيدوا فها. ومعنى الخروج ما يروى عن الحسن: إن النار تضربهم بلهبها فترفعهم، حتى إذا كانوا في أعلاها ضربوا بالمقامع فهو وافيها سبعين خريفا " (و) قيل لهم (ذوقوا عذاب الحريق) والحريق الغليظ من النار المنتشر العظيم الاهلاك (يحلون) عن ابن عباس من حليت المرأة فهي حال
(٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 ... » »»