التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٤ - الصفحة ٣١٠
فان قيل: إنما أنكر الله تعالى عليهم هذا القول، لأنهم جعلوا هذا القول حجة في إقامتهم على شركهم، فأعلم الله عز وجل ان " كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا " ولم ينكر عليهم انهم قالوا الشرك بمشيئة الله، ولو كان منكرا لذلك، لقال: كذلك كذب الذين - بتخفيف الذال -.
قلنا: لا يجوز ذلك، لأنه تعالى بين انهم كذبوا في هذا القول بقوله " وان أنتم الا تخرصون " أي تكذبون، فاما كذبوا فقد حكينا أنه قرئ - بالتخفيف - ومن شدد الذال، فلان تكذيب الصادق كذب، وهو يدل على الامرين، فان قالوا: إنما عابهم، لأنهم كانوا متهزئين بهذا القول لا معتقدين ولا متدينين. قلنا: المعروف من مذهبهم خلافه، لأنهم كانوا يعتقدون ان جميع ما يفعلونه قربة إلى الله، وان الله تعالى إرادة وأخبر عنه، فكيف يكونون متهزئين، على أن الهازئ بالشئ لا يسمى كاذبا، فكيف سماهم الله كاذبين؟ على أنه إذا كان كل ما يجري بمشيئته فلا يجب ان ينكر على أحد ما يعتقده، لأنه اعتقد ما شاء الله. ومن فعل ما شاء كان مطيعا له، لان الطاعة هي امتثال الامر والمراد منه. وهذا باطل بالاجماع.
فان قيل: إنما عاب الله المشركين بهذه الآية، لأنهم قالوا ذلك حدسا وظنا لاعن علم، وذلك لا يدل على أنهم غير صادقين، وقد يجوز أن يكون الانسان صادقا فيما يخبر به ويكون قوله صادرا عن حدس وعن ظن.
قلنا: لو كان الامر على ما قلتم لما كانوا كاذبين إذا كان مخبر ما أخبروا به على ما أخبروا، وقد كذبهم الله في اخبارهم بقوله " كذلك كذب الذين من قبلهم " وبقوله " ان أنتم الا تخرصون " على أن من ظن شيئا فأخبر عنه لا يوصف بأنه كاذب وإن كان على خلاف ما ظنه فكيف إذا كان على ما ظنه.
قوله تعالى:
قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهديكم أجمعين (149) آية بلا خلاف.
(٣١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 305 306 307 308 309 310 311 312 313 314 315 ... » »»
الفهرست