التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٤ - الصفحة ٣١١
امر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وآله ان يقول لهؤلاء الكفار الذين احتجوا بما قالوه ان الله لو شاء منهم ذلك لما كان لله الحجة البالغة يعني الحجة التي احتج بها على الكافرين في الآية الأولى، وجميع ما احتج به على عباده في صحة دينه الذي كلفهم إياه. ومعنى (البالغة) التي تبلغ قطع عذر المحجوج وتزيل كل لبس وشبهة عمن نظر فيها واستدل أيضا بها. وإنما كانت حجة الله صحيحة بالغة، لأنه لا يحتج الا بالحق وما يؤدي إلى العلم. وقوله " ولو شاء لهداكم أجمعين " يحتمل أمرين:
أحدهما - لو شاء لألجأ الجميع إلى الايمان غير أن ذلك ينافي التكليف.
الثاني - انه لو شاء لهداهم إلى نيل الثواب ودخول الجنة، وبين بذلك قدرته على منافعهم ومضارهم. وبين انه لم يفعل ذلك، لأنه يوجب زوال التكليف عنهم والله تعالى أراد بالتكليف تعريضهم للثواب الذي لا يحسن الابتداء به، ولو كان الامر على ما قالته المجبرة من أن الله تعالى شاء منهم الكفر لكانت الحجة للكفار على الله من حيث فعلوا ما شاء الله، وكان يجب ان يكونوا بذلك مطيعين له ولا تكون الحجة عليهم من حيث إنه خلق فيهم الكفر وأراد منهم الكفر، فأي حجة مع ذلك.
قوله تعالى:
قل هلم شهداءكم الذي يشهدون أن الله حرم هذا فان شهدوا فلا تشهد معهم ولا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا والذين لا يؤمنون بالآخرة وهم بربهم يعدلون (150) آية بلا خلاف.
معنى هذه الآية ان الحجاج بأن الطريق الموصل إلى صحة مذهبهم غير منسد إذ لم يثبت من جهة حجة عقل ولا سمع. وما لم يصح ان يثبت من
(٣١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 306 307 308 309 310 311 312 313 314 315 316 ... » »»
الفهرست