التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٤ - الصفحة ٣٠٩
الله تعالى بذلك في قوله " كذلك كذب الذين من قبلهم " ومعناه مثل هذا التكذيب الذي كان من هؤلاء - في أنه منكر - " كذب الذين من قبلهم " وإنما قال كذلك لتقضي الخبر، ولو قال (كذا) لجاز، لأنه قريب بعد الأول، و (كذلك) أحسن، لان ما فيه من تأكيد الإشارة تغني عن الصفة.
وحكي انه قرئ " كذب الذين " بالتخفيف، فمن خفف أراد ان هؤلاء كاذبون كما كذب الذين من قبلهم على الله بمثله. ومن قرأ بالتشديد، فلأنهم بهذا القول كذبوا رسول الله لأنهم قالوا له: ان الله أراد منا ذلك وشاءه، ولو أراد غيره لما فعلناه، مكذبين للرسول (ص) كما كذب من تقدم أنبياءهم فيما أتوا به من قبل الله.
ثم بين بقوله " قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا " أن ما قالوه باطل وكذب على الله لأنه لو كان صحيحا لما رده عليهم.
ثم أكد تكذيبهم بقوله " ان تتبعون الا الظن " أي ليس يتبعون إلا ظنا من غير علم " وان أنتم الا تخرصون " يعني تكذبون، والخرص الكذب كقوله " قتل الخراصون " (1) وفى هذه الآية أدل دلالة على أن الله تعالى لا يشاء المعاصي والكفر، وتكذيب ظاهر لمن أضاف ذلك إلى الله مع قيام أدلة العقل على أنه تعالى لا يريد القبيح، لان إرادة القبيح قبيحة، وهو لا يفعل القبيح، ولأن هذه صفة نقص، فتعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
وقوله " حتى ذاقوا بأسنا " معناه حتى ذاقوا عذابنا، وأراد به حلول العذاب بهم فجعل وجدانهم لذلك ذوقا مجازا. وجاز قوله " ما أشركنا ولا آباؤنا " ولم يجز ان يقال: قمنا وزيد، لان العطف على المضمر المتصل لا يحسن الا بفصل، فلما فصلت (لا) حسن، كما حسن: ما قد قمنا ولا زيد كان كذلك، لان الضمير المتصل يغير له الفعل في (فعلت) فيصير كجزء منه.

(1) سورة 51 الذاريات آية 10.
(٣٠٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 304 305 306 307 308 309 310 311 312 313 314 ... » »»
الفهرست