مشارق الشموس (ط.ق) - المحقق الخوانساري - ج ١ - الصفحة ٩
أتى المكلف بالصلاة بدون الوضوء فقد خرج عن عهدة الامر بالصلاة المطلقة لكن يبقى في عهدة التكليف بالوضوء وتحصيل كمال الصلاة فتدبر وقس عليه الكلام في الأخبار المتقدمة سؤالا وجوابا وقد يستدل بالآية على هذا المطلب بوجه آخر وهو أن يقال إنه قد استفيد منها وجوب الوضوء قبل الصلاة والامر بالشئ مستلزم للنهي عن ضده فتكون الصلاة التي هي ضد الوضوء منهيا عنها فتكون فاسدة فثبت الاشتراط وفيه إنه موقوف على ثبوت إن الامر بالشئ مستلزم للنهي عن ضده والنهي مستلزم للفساد وكلاهما ممنوعان وهاهنا شك آخر وهو إن معنى كون الامر بالشئ مستلزما للنهي عن ضده إنه إذا كان شئ مأمور به في وقت ولم يأت المكلف في ذلك الوقت بذلك الشئ بل أتى بضده يكون ذلك الضد حراما منهيا عنه وحينئذ نقول تحقق هذا المعنى مما لا يمكن فيما نحن فيه لأنه إذا كان الوضوء واجبا قبل الصلاة فالاتيان بالصلاة في وقته إنما يتحقق بإتيان الصلاة قبل الصلاة هف والجواب أن المراد أن وقت الوضوء إنما هو بعد إرادة الصلاة كما هو مدلول الآية الكريمة ولا شك في إمكان الاتيان بالصلاة في ذلك الوقت فارتفع الخلف فإن قلت المأمور به في الآية أما الوضوء بعد الإرادة المتصلة بالصلاة وبعد الإرادة المنفصلة عنها بقدر الوضوء والأول باطل لأنه تكليف بما لا يطاق وعلى الثاني يلزم ما ذكرنا أولا من عدم إمكان الاتيان بالصلاة في وقت الوضوء لأن المفروض وقته وقت انفصال الصلاة عن الإرادة فكيف يمكن أن يصير وقتا للصلاة إذ يلزم حينئذ أن يكون الصلاة متصلة بالإرادة منفصلة عنها هف قلت وقت الوضوء بعد الإرادة التي يمكن انفصالها عن الصلاة واتصالها بها باختيار المكلف وحينئذ نقول إن كل جزء من أجزاء أوقات ما بعد تحقق الإرادة وقت الوضوء ويمكن الاتيان بالصلاة فيه أيضا لما ذكرنا من أن الاتصال والانفصال باختيار المكلف فلو لم يأت المكلف بالوضوء وأتى بالصلاة فقد أتى بضد المأمور به فيكون منهيا عنه فاندفع المحذوران فإن قلت إن تلك الإرادة إن كانت تامة يجب الاتصال وإن كانت ناقصة يجب الانفصال قلت إنها ناقصة وإنما يجب الانفصال لو لم تصر تامة هذا ثم إن في المقام كلاما آخر وهو إنه قد ثبت بما ذكر إمكان الاتيان بالصلاة في وقت الوضوء لكن هذا مما لا يكفي في إثبات المرام لان الاتيان بضد المأمور به في وقته إنما يكون منهيا عنه إذا كان وجوب المأمور به مضيقا وأما إذا كان موسعا فلا كما تقرر في الأصول وعلى هذا نقول لا شك إن وقت الوضوء الذي هو أوقات حصول الإرادة متسع فلو أتى المكلف بالصلاة في جزء منها لم يأت بضد المأمور به في وقته المضيق نعم إذا بقي من الوقت مقدار الوضوء والصلاة فعسى أن يكون جريان الدليل فيه ممكنا أما قبله فلا فتأمل فالأولى أن يستدل بالآية على المرام بطريق آخر بأن يقال يستفاد من الآية عرفا إن الوضوء قبل الصلاة واجب وإذا أتى المكلف بالصلاة بدون الوضوء فيلزم حينئذ أن لا يمكن الاتيان بالوضوء المأمور به إذ لا شك إن بعد الاتيان بالصلاة لا يمكن الوضوء الكائن قبل الصلاة فيلزم ترك الواجب وترك الواجب حرام وملزوم الحرام حرام فيكون الاتيان بالصلاة الملزوم لترك الوضوء حراما وهذا مثل ما إذا كان أحد مأمورا بالصعود على السطح المتوقف على السلم فكسره باختياره أو كان مكلفا بالوضوء فأراق الماء ونحو ذلك لا يقال إنا لا نسلم عدم الامكان الاتيان بالوضوء المتقدم على الصلاة بعد الصلاة إذ يمكن أن يتوضأ ويصلي صلاة أخرى لان المأمور به الوضوء المتقدم على الصلاة التي يتحقق بها امتثال الامر ولا شك أن بالصلاة السابقة على تقدير صحتها يتحقق الامتثال والخروج عن العهدة ولا يمكن تحقق هذا الوصف في الصلاة اللاحقة فلا يكون الاتيان بالوضوء المذكور إتيانا بالمأمور به كما لا يخفى واعلم إن إتمام هذا الوجه أيضا موقوف على ثبوت أن ملزوم الحرام حرام وهو أيضا مما يقبل المنع كالمقدمتين السابقتين فتدبر بقي في المقام شئ وهو أنه قد ظهر بما ذكرنا وتلونا عليك وجوب الوضوء بالمعنيين للصلاة في الجملة كما ذكرنا في صدر المقامين وأما وجوبه لجميع الصلاة الواجبة سوى صلاة الجنازة بكل من المعنيين كما هو مدعى القوم ففيه خفاء وتفصيل المقام إن وجوب الوضوء بمعنى الشرطية وتوقف الصحة عليه لجميع الصلاة الواجبة بل المندوبة أيضا سوى صلاة الجنازة مما لا ينبغي أن يشك فيه للاجماع الصريح ودلالة بعض الأخبار المتقدمة عليه أيضا مثل لا صلاة إلا بطهور إذ نفى الصحة أقرب المجازات إلى الحقيقة التي هي نفي الوجود كما لا يخفى والصلاة ثلاثة أثلاث ونحو ذلك وأما وجوبه بالمعنى الأول لجميع الصلوات الواجبة ففيه نوع خفاء إذ لا يمكن أن يستدل عليه بالآية لأنه لو حمل الآية على العموم بالنسبة إلى الواجب والمندوب فيلزم أن لا يمكن حمل الامر في فاغسلوا على الوجوب بل الرجحان المطلق وحينئذ لا يثبت المدعى مع أنه لو حمل على العموم لكان قابلا للمنع إذ احتمال العهدية وكون المراد الفرد المتعارف أعني الصلاة اليومية احتمال ظاهر بل هو أولى من العموم على ما قيل أن اللام حقيقية في العهد ولو خصص بالصلاة الواجبة وعمم بالنسبة إلى أفرادها ففيه أنه لا دليل على التخصص ولو جعل دليل التخصيص إبقاء الامر على ظاهره من الوجوب فيرد عليه أن إبقاء الامر على ظاهره ليس أولى من إبقاء العام على ظاهره فهلا أبقيته على العموم وأخرجت الامر عن ظاهره مع ما فيه من ظهور احتمال العهدية كما عرفت وكذا لا يتم الاستدلال بالاخبار المتقدمة إذ ليس فيها ما يدل على عموم الوجوب كما لا يخفى وكذا الاستدلال عليه بشرطيته للصلاة بأن يقال قد ثبت بالاجماع والاخبار شرطية لجميع الصلاة الواجبة وشرط الواجب واجب فيكون واجبا لجميع الصلاة لان الكبرى ممنوعة وموضعه في الأصول
(٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 ترجمة المصنف (قدس) 2
2 ترجمة الشارح (قدس) 3
3 كتاب الطهارة معنى الطهارة لغة 5
4 اشتراط النية في الطهارة 5
5 في وجوب الوضوء 5
6 بيان وجوب الوضوء لمس خط القرآن 11
7 وجوب غسل الجنابة للصلاة 15
8 في وجوب التيمم للصلاة 16
9 في بيان وجوب الطهارات لنفسها أو لغيرها 26
10 حكم امكان التوضؤ والغسل والتيمم قبل الوقت وعدم امكانه بعد الوقت 32
11 استحباب الوضوء للصلوات المندوبة 33
12 تنبيه في التسامح في أدلة السنن 34
13 استحباب غسل الجمعة 39
14 وقت غسل الجمعة 41
15 الأغسال المستحبة في شهر رمضان 43
16 استحباب غسل العيدين 44
17 في الأغسال المستحبة 44
18 في رافعية الغسل المندوب للحدث 47
19 في استحباب التيمم بدل الوضوء المستحب 50
20 موجبات الوضوء 51
21 موجبات الغسل 61
22 في وجوب الوضوء مع الأغسال الواجبة الا الجنابة 69
23 وجوب ستر العورة عن الناظر 70
24 حرمة استقبال القبلة واستدبارها 70
25 في المسح بالحجر 75
26 مستحبات التخلي 78
27 فيما يستحب حال التخلي 78
28 ما يستحب عند الاستنجاء 79
29 في كيفية الخرطات التسع 80
30 المكروهات في حال التخلي 81
31 في عدم اشتراط الاستنجاء في صحة الوضوء 86
32 في وجوب النية المشتملة على القربة عند الوضوء 88
33 في حكم المبطون والسلس والمستحاضة 91
34 في اشتراط قصد الإطاعة وعدمه 91
35 فيما لو نوى رفع حدث واستباحة صلاة بعينها 94
36 عدم صحة الطهارة وغيرها من العبادات من الكافر 98
37 في بطلان لو نوى لكل عضو نية تامة 98
38 حكم البالغ في الوقت 100
39 في حد غسل الوجه 100
40 غسل الاذنين ومسحهما بدعة 107
41 في حد غسل اليدين 108
42 عند افتقار الطهارة إلى معين بأجرة 112
43 في حد مسح الرأس 112
44 في كراهة مسح جميع الرأس 118
45 وجوب مسح الرجلين 118
46 في عدم جواز المسح على حائل من خف وغيره الا لتقية أو ضرورة 125
47 في اشتراط الموالاة 127
48 سنن الوضوء 131
49 فيما لو شك في عدد الغسلات السابقة بنى على الأقل 138
50 فيما لو شك في الحدث والطهارة بنى على المتيقن 141
51 في تعدد الوضوء ولا يعلم محل المتروك 145
52 في زوال العذر في الوضوء 153
53 حصول الجنابة بانزال المني 156
54 حصول الجنابة بمواراة الحشفة أو قدرها من المقطوع 160
55 حكم من لو وجد المني على ثوبه 162
56 فيما يحرم في حال الجنابة 164
57 في كيفية الغسل 168
58 في مستحبات الغسل 176
59 هل يكفى المسح كالدهن أم تجب الإفاضة 177
60 حكم ما لو أحدث في أثناء الغسل 179
61 درس: في الماء المطلق في اختلاط الماء الطاهر بالنجس وهي أربعة أقسام باعتبار اختلاف احكامها 185
62 أولا: الراكد دون الكر 185
63 ثانيا: في الماء الراكد الكثير 196
64 وثالثا: في الماء الجاري نابعا 205
65 في حكم ماء الغيث النازل كالنابع 211
66 رابعا: ماء البئر 215
67 في كيفية طهارة ماء البئر إذا وقع فيه شئ 220
68 فيما لو تغير ماء البئر 238
69 فيما لو اتصل ماء البئر بماء جارى طهرت 241
70 فيما إذا غارت البئر ثم عادت 244
71 في استحباب تباعد البئر عن البالوعة 246
72 في طهورية الماء المستعمل في الوضوء 247
73 طهارة الماء المستعمل في الاستنجاء 252
74 في حكم الماء المستعمل في إزالة النجاسات 254
75 الماء المضاف لا يرفع حدثا ولا يزيل خبثا 259
76 في طهارة الخمر بالخلية والمرق المتنجس بقليل الدم بالغليان 262
77 فيما لو اشتبه المطلق بالمضاف وفقد غيرهما تطهر بكل منهما 264
78 كراهة سؤر الجلال وآكل الجيف مع الخلو عن النجاسة 268
79 في سؤر غير مأكول اللحم 270
80 حرمة استعمال الماء النجس والمشتبه به في الطهارة 281
81 فيما إذا صلى بالمشتبه أعاد الصلاة في الوقت وخارجه 288
82 لا يشترط في التيمم عند اشتباه الانية اهراقها 292
83 حكم النجاسات وهي عشر البول والغائط 293
84 المني والدم من ذي النفس السائلة 301
85 الميتة من ذي النفس السائلة 309
86 الكلب والخنزير ولعابهما 321
87 المسكرات 326
88 تذنيب في استدلال العلامة على طهارة الخمر وجوابه 333
89 في حكم الفقاع 336