بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ١٦ - الصفحة ٤٧
فرحل القوم يجدون السير إلى ديارهم، وقد غنموا أسلابا من اليهود، وخيلهم وسلاحهم، وقد فرحوا بالنصر والظفر، فلما استقاموا على الطريق قال لهم ميسرة: ما منكم أحد يا قوم إلا وقد سافر مرة أو مرتين أو أكثر، فهل رأيتم أبرك من هذه السفرة، وأكثر من ربحها؟ وما ذلك إلا ببركة محمد صلى الله عليه وآله، وهو قد نشأ فيكم وهو قليل المال، فهل لكم أن تجمعوا له شيئا من بينكم على جهة الهدية حتى يستعين به على حاله، فقالوا له: والله لقد أصبت الرأي يا ميسرة، ثم إن القوم نزلوا منزلا كثير الماء والأشجار والأنهار، فاستخرج كل واحد منهم شيئا لطيفا، وجاؤا به على سبيل الهدية، وكان يحب الهدية، ويكره الصدقة، فلما جمعوه (1) بين يديه قالوا له: خذها مباركة عليك، فدفعها إلى ميسرة ولم يرد جوابا، ثم إن القوم رحلوا يجدون السير، ويقطعون الفيافي والأودية إلى أن نزلوا دير الراهب، وهو الوادي الذي تزودوا منه التمر، ثم إنهم رحلوا حتى قربوا من مكة ونزلوا بحجفة (2) الوداع، فأخذ الناس ينفذون إلى أهاليهم يبشرونهم بقدومهم وغنمهم، قال أبو جهل لعنه الله: يا قوم ما رأيت ربحا أكثر من سفرتنا هذه، فقالوا (3): نعم، قال:
وأكثرنا أرباحا محمد صلى الله عليه وآله، قال: ما كنت أحسب أنه يجلبهم من أماكنهم، ويبيع عليهم بأغلى الثمن، ثم أخذ القوم في إنفاذ رسلهم، ونفذ أبو جهل وغيره (4) رسلا، فأقبل ميسرة إلى النبي صلى الله عليه وآله وقال: يا قرة العين هل أرشدك إلى خير يصل إليك؟ قال: ما هو؟
قال: تسير من وقتك وساعتك إلى مولاتي خديجة، وتبشرها بسلامة أموالنا، فإنها تعطي من يبشرها خيرا كثيرا، وأنا أحب أن يكون ذلك لك، فقم الآن وسر إلى مكة، وادخل على مولاتي خديجة وبشرها بسلامة أموالها، فقام النبي صلى الله عليه وآله وقال: يا ميسرة أوصيك بمالك ونفسك خيرا، وركب مستقبل الطريق وحده يريد مكة، وغاب عن الابصار، فبعث الله ملكا يطوي له البعيد، ويهون عليه الصعب الشديد، فلما أشرف على الجبال

(1) في المصدر: جمعوها.
(2) في المصدر: بجحفة الوداع، بتقديم الجيم.
(3) في المصدر: قالوا يا سيدنا ما فينا من ربح مثل ما ربح محمد.
(4) ذكر في المصدر مكان غيره أسماء يطول ذكرهم.
(٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تعريف الكتاب تعريف الكتاب 1
2 باب 5 تزوجه صلى الله عليه وآله بخديجة رضي الله عنها وفضائلها وبعض أحوالها، وفيه 20 حديثا. 1
3 باب 6 أسمائه صلى الله عليه وآله وعللها، ومعنى كونه صلى الله عليه وآله أميا وأنه كان عالما بكل لسان، وذكر خواتيمه ونقوشها وأثوابه وسلاحه، ودوابه وغيرها مما يتعلق به صلى الله عليه وآله، وفيه 75 حديثا. 82
4 باب 7 نادر في معنى كونه صلى الله عليه وآله يتيما وضالا وعائلا، ومعنى انشراح صدره، وعلة يتمه، والعلة التي من أجلها لم يبق له صلى الله عليه وآله ولد ذكر، وفيه 10 أحاديث. 136
5 باب 8 أوصافه صلى الله عليه وآله في خلقته وشمائله وخاتم النبوة، وفيه 33 حديثا 144
6 باب 9 مكارم أخلاقه وسيره وسننه صلى الله عليه وآله وما أدبه الله تعالى به، وفيه 162 حديثا. 194
7 باب 10 نادر فيه ذكر مزاحه وضحكه صلى الله عليه وآله وهو من الباب الأول، وفيه 4 أحاديث. 294
8 باب 11 فضائله وخصائصه صلى الله عليه وآله وما امتن الله به على عباده، وفيه 96 حديثا. 299
9 باب 12 نادر في اللطائف في فضل نبينا صلى الله عليه وآله في الفضائل والمعجزات على الأنبياء عليهم السلام، وفيه حديثان. 402