المبسوط - السرخسي - ج ١٠ - الصفحة ١٥٤
وحفصة رضي الله عنهما فقال لهما احتجبا فقالتا انه أعمى يا رسول الله فقال أوعمياوان أنتما ولا يحل له أن يمس وجهها ولا كفها وإن كان يأمن الشهوة لقوله صلى الله عليه وسلم من مس كف امرأة ليس منها بسبيل وضع في كفه جمرة يوم القيامة حتى يفصل بين الخلائق ولان حكم المس أغلظ حتى أن المس عن شهوة يثبت حرمة المصاهرة والنظر إلى غير الفرج لا يثبت والصوم يفسد بالمس عن شهوة إذا اتصل به الانزال ولا يفسد بالنظر فالرخصة في النظر لا يكون دليل الرخصة في المس والبلوى التي تتحقق في النظر تتحقق في المس أيضا وعلى هذا نقول للمرأة الحرة أن تنظر إلى ما سوى العورة من الرجل ولا يحل لها أن تمس ذلك منه لان حكم المس أغلظ وهذا إذا كانت شابة تشتهى فإذا كانت عجوزا لا تشتهي فلا بأس بمصافحتها ومس يدها لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصافح العجائز في البيعة ولا يصافع الشواب ولكن كان يضع يده في قصعة ماء ثم تضع المرأة يدها فيها فذلك بيعتها إلا أن عائشة رضي الله عنها أنكرت هذا الحديث وقالت من زعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مس امرأة أجنبية فقد أعظم الفرية عليه وروى أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان في خلافته يخرج إلى بعض القبائل التي كان مسترضعا فيها فكان يصافح العجائز ولما مرض الزبير رضي الله عنه بمكة استأجر عجوزا لتمرضه فكانت تغمز رجليه وتفلي رأسه ولان الحرمة لخوف الفتنة فإذا كانت ممن لا تشتهي فخوف الفتنة معدوم وكذلك أن كان هو شيخا يأمن على نفسه وعليها فلا بأس بأن يصافحها وان كأن لا يأمن عليها أن تشتهى لم يحل له أن يصافحها فيعرضها للفتنة كما لا يحل له ذلك إذا خاف على نفسه فأما النظر إليها عن شهوة لا يحل بحال إلا عند الضرورة وهو ما إذا دعى إلى الشهادة عليها أو كان حاكما ينظر ليوجه الحكم عليها باقرارها أو بشهادة الشهود على معرفتها لأنه لا يجد بدا من النظر في هذا الموضع والضرورات تبيح المحظورات ولكن عند النظر ينبغي أن يقصد أداء الشهادة أو الحكم عليها ولا يقصد قضاء الشهوة لأنه لو قدر على التحرز فعلا كان عليه أن يتحرز فكذلك عليه أن يتحرز بالنية إذا عجز عن التحرز فعلا كما لو تترس المشركون بأطفال المسلمين فعلى من يرميهم أن يقصد المشركين وإن كان يعلم أنه يصيب المسلم واختلفوا فيما إذا دعى إلى تحمل الشهادة وهو يعلم أنه ان نظر إليها اشتهى فمنهم من جوز له ذلك أيضا بشرط أن يقصد تحمل الشهادة لا قضاء الشهوة ألا ترى أن شهود الزنا لهم أن ينظروا إلى موضع العورة على قصد
(١٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 149 150 151 152 153 154 155 156 157 158 159 ... » »»
الفهرست