المبسوط - السرخسي - ج ١٠ - الصفحة ٨٥
(باب صلح المملوك والموادعة) (قال) رضي الله عنه ملك من ملوك أهل الحرب له أرض واسعة فيها قوم من أهل مملكته هم عبيد له يبيع منهم ما شاء صالح المسلمين وصار ذمة لهم فان أهل مملكته عبيد له كما كانوا يبيعهم ان شاء لان عقد الذمة خلف عن الاسلام في حكم الاحراز ولو أسلم كانوا عبيدا له لقوله صلى الله عليه وسلم من أسلم على مال فهو له فكذلك إذا صار ذميا وهذا لأنه كان مالكا لهم بيده القاهرة وقد استقرت يده وازدادت وكادة بعقد الذمة فان ظهر عليهم عدو غيرهم ثم استنقذهم المسلمون من أيدي أولئك فإنهم يردون على هذا الملك بغير شئ قبل القسمة وبالقيمة بعد القسمة بمنزلة سائر أموال أهل الذمة وهذا لان على المسلمين القيام بدفع الظلم عن أهل الذمة كما عليهم ذلك في حق المسلمين وعلى هذا لو أسلم الملك وأهل أرضه أو أسلم أهل أرضه دونه فهم عبيد له كما كانوا لأنه كان محرزا لهم بعقد الذمة فيزداد ذلك قوة باسلامه واسلام مملوكه الذمي لا يبطل ملكه عنه وإن كان طلب الذمة على أن يترك يحكم في أهل مملكته بما شاء من قتل أو صلب أو غيره مما لا يصلح في دار الاسلام لم يجب إلى ذلك لان التقرير على الظلم مع امكان المنع منه حرام ولان الذمي من يلتزم أحكام الاسلام فيما يرجع إلى المعاملات فشرطه بخلاف موجب العقد باطل كما لو أسلم بشرط أن يرتكب شيئا من الفواحش كان الشرط باطلا والأصل فيه ما روى أن وفد ثقيف جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا نؤمن بشرط أن لا ننحني للركوع والسجود فانا نكره ان تعلونا أستانا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا خير في دين لا صلاة فيه ولا خير في صلاة لا ركوع فيها ولا سجود فان أعطى الصلح والذمة على هذا بطل من شروطه مالا يصلح في الاسلام لقوله صلى الله عليه وسلم كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل فان رضى بما يوافق حكم الاسلام والا أبلغ مأمنه وأصحابه لان عقد الذمة يعتمد الرضى وما تم رضاه بدون هذا الشرط وقد تعذر الوفاء بهذا الشرط فإذا أبى ان يرضى بدون هذا الشرط يبلغ مأمنه كغيره من المستأمنين فان التحرز عن الغدر واجب قال صلى الله عليه وسلم في العهود وفاء لا غدر فيه بخلاف ما لو أسلم بشرط أن لا يصلى فان الاسلام صحيح بدون تمام الرضى كما لو أسلم مكرها ولا يترك بعد صحة اسلامه ليرتد فيرجع إلى الكفر فان صار ذمة ثم وقفت منه على أنه يخبر المشركين بعورة المسلمين ويقرى عيونهم لم يكن هذا منه نقضا للعهد ولكن يعاقب
(٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 ... » »»
الفهرست