المبسوط - السرخسي - ج ١٠ - الصفحة ٧٧
يرجو النجاة في أحد الجانبين تعين عليه ذلك لأنه مأمور بدفع الهلاك عن نفسه بما يقدر عليه وذلك في الميل إلى الطريق الذي يرجو النجاة فيه وإن كان يرجو النجاة في الجانبين يخير لاختلاف أحوال الناس فمنهم من يصبر على الماء فوق ما يصبر على النار ومنهم من يكون صبره على الدخان والنار أكثر على غم الماء وان كأن لا يرجو النجاة في واحد من الجانبين فعلي قول أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى يتخير وعلى قول محمد رحمه الله تعالى ليس له أن يلقي نفسه في الماء لأنه لو صبر على النار كان هلاكه بفعل العدو ولو ألقى نفسه كان هلاكه بفعل نفسه فيتعين عليه الصبر لذلك ولأنه إنما يجوز له ان يلقى في نفسه الماء لدفع الهلاك وذلك عند رجاء النجاة فيه فإذا كأن لا يرجو النجاة لم يكن فعله دفعا للهلاك عن نفسه وهما يقولان ان طبائع الناس تختلف فمنهم من يختار غم الماء على ألم النار فهو بالالقاء يدفع ألم النار عن نفسه لعلمه انه لا يجد الصبر عليه فكان في سعة من ذلك لأنه مضطر ومن ابتلى ببليتين يختار أهونهما عليه ثم هو وان ألقي نفسه مدفوع بفعل المشركين فقد ألجؤوه إلى ذلك وأفسدوا عليه اختياره فلا يبقى فعله معتبرا بعد ذلك في إضافة الفعل إليه فلهذا يخير والله أعلم بالصواب (باب في توظيف الخراج) (قال) رضي الله عنه وإذا جعل الامام قوما من الكفار أهل ذمة وضع الخراج على رؤس الرجال وعلى الأرضين بقدر الاحتمال اما خراج الرؤس ثابت بالكتاب والسنة أما الكتاب فقوله سبحانه وتعالى حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون واما السنة ما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر وأخذ الحلل من نصاري نجران وكانت جزية وقال سنوا بالمجوس سنة أهل الكتاب يعني في أخذ الجزية منهم وقد طعن بعض الملحدين قال كيف يجوز تقرير الكافر على الشرك الذي هو أعظم الجرائم بمال يؤخذ منه ولو جاز ذلك جاز تقرير الزاني على الزنا بمال يؤخذ منه والكلام في هذا يرجع إلى الكلام في اثبات الصانع وانه حكيم واثبات النبوة ثم نقول المقصود ليس هو المال بل الدعاء إلى الدين بأحسن الوجوه لأنه بعقد الذمة يترك القتال أصلا ولا يقاتل من لا يقاتل ثم يسكن بين المسلمين فيرى محاسن الدين ويعظه واعظ فربما يسلم إلا أنه إذا سكن دار
(٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 ... » »»
الفهرست