المبسوط - السرخسي - ج ١٠ - الصفحة ٨٧
ما لو كان موجودا في الابتداء منعه ذلك من الموادعة فإذا ظهر ذلك في الانتهاء منع ذلك من استدامة الموادعة وهذا لان نقض الموادعة بالنبذ جائز قال صلى الله عليه وسلم يعقد عليهم أولاهم ويرد عليهم أقصاهم ولكن ينبغي أن ينبذ إليهم على سواء قال تعالى وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء أي على سواء منكم ومنهم في العلم بذلك فعرفنا أنه لا يحل قتالهم قبل النبذ وقبل أن يعلموا بذلك ليعودوا إلى ما كانوا عليه من التحصن وكان ذلك للتحرز عن الغدر فان حاصر العدو المسلمين وطلبوا الموادعة على أن يؤدي إليهم المسلمون شيئا معلوما كل سنة فلا ينبغي للامام أن يجيبهم إلى ذلك لما فيه من الدينة والذلة بالمسلمين إلا عند الضرورة وهو ان يخاف المسلمون الهلاك على أنفسهم ويرى الامام أن هذا الصلح خير لهم فحينئذ لا بأس بأن يفعله لما روى أن المشركين أحاطوا بالخندق وصار المسلمون كما قال الله تعالى هنالك ابتلى المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عبيدة بن حصن وطلب منه ان يرجع بمن معه على أن يعطيه كل سنة ثلث ثمار المدينة فأبى الا النصف فلما حضر رسله ليكتبوا الصلح بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم قام سيد الأنصار سعد بن معاذ وسعد بن عبادة رضي الله عنهما وقالا يا رسول الله إن كان هذا عن وحي فامض لما أمرت به وإن كان رأيا رأيته فقد كنا نحن وهم في الجاهلية لم يكن لنا ولا لهم دين فكانوا لا يطمعون في ثمار المدينة الا بشراء أو قرى فإذا أعزنا الله بالدين وبعث فينا رسوله نعطيهم الدينة لا نعطيهم الا السيف فقال صلى الله عليه وسلم انى رأيت العرب رمتكم عن قوس واحدة فأحببت ان أصرفهم عنكم فإذا أبيتم ذلك فأنتم وأولئك اذهبوا فلا نعطيكم الا السيف فقد مال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصلح في الابتداء لما أحس الضعف بالمسلمين فحين رأى القوة فيهم بما قاله السعدان رضي الله عنهما امتنع من ذلك وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطى المؤلفة قلوبهم من الصدقة لدفع ضررهم عن المسلمين فدل على أنه لا بأس بذلك عند خوف الضرر وهذا لأنهم ان ظهروا على المسلمين أخذوا جميع الأموال وسبوا الذراري فدفع بعض المال ليسلم المسلمون في ذراريهم وسائر أموالهم أهون وأنفع وان أراد قوم من أهل الحرب من المسلمين الموادعة سنين معلومة على أن يؤدى أهل الحرب الخراج إليهم كل سنة شيئا معلوما على أن لا تجرى أحكام الاسلام عليهم في بلادهم لم يفعل ذلك إلا أن يكون في ذلك
(٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 82 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 ... » »»
الفهرست