والقبول على مورد واحد كما عرفته في القسمين السابقين.
وقد يتوهم أن اعتبار التطابق بين الايجاب والقبول في الصورة الثالثة ينافي لما أسلفناه في تعريف البيع، من أنه تبديل عين بعوض في جهة الإضافة، ضرورة أن مقتضى هذا التعريف هو أن لا يلاحظ البائع الخاص، ولا أن يلاحظ المشتري المعين في تحقق مفهوم البيع، بل مقتضى التعريف المزبور أن لا يلاحظ في ذلك كون البائع مالكا للمبيع وكون المشتري مالكا للثمن.
ومن هنا نحكم بصحة المعاملة الفضولية، ولا يقاس البيع - في ذلك - بالنكاح، إذ لا بد في النكاح من التطابق بين الايجاب والقبول بالنسبة إلى الزوجين، فإن منزلتهما في عقد الزواج منزلة العوضين في البيع، وقد عرفت اعتبار التطابق فيه بين الايجاب والقبول من ناحية العوضين.
ولكن هذا التوهم فاسد، ضرورة أن التعريف المذكور إنما يقتضي عدم اعتبار التطابق بين الايجاب والقبول بالنسبة إلى البائع الخاص والمشتري الخاص فيما إذا كان العوضان من الأعيان الخارجية، أما إذا كان أحدهما كليا في الذمة فإنه عندئذ لا بد من اعتبار التطابق بين الايجاب والقبول من ناحية البائع والمشتري.
ضرورة أن ذمم الأشخاص مختلفة بحسب قوة الوثاقة وضعفها، إذ رب شخص لا يعتمد عليه في الأمور الحقيرة ورب شخص تطمئن إليه النفس في الأمور الخطيرة.
وعليه فإذا باع زيد متاعه من عمر بخمسين دينارا في الذمة، فإنه ليس لعمرو أن يقبل هذا البيع لغيره ولا لغيره أن يقبله لنفسه، ضرورة أن ذمة عمرو غير ذمم بقية الأشخاص فالارتضاء بالأولى لا يستلزم الارتضاء ببقية الذمم.