إذ مع تقدمه لا يتحقق النقل في الحال، ضرورة أن الراضي بمعاوضة ينشئها الموجب في المستقبل لم ينقل ماله في الحال إلى الموجب، والسر في ذلك أن كلمة قبلت وأشباهها قد أخذ فيها مفهوم المطاوعة ولا يتحقق ذلك في الخارج إلا بتقديمها على الايجاب.
وإذا وقع القبول بالقسم الثاني لم يجز تقديمه على الايجاب أيضا، لأنه لا يعد قبولا للإيجاب المتأخر وإنما هو استدعاء واستيجاب، بل لو قلنا بجواز التقديم بلفظ قبلت لأمكن المنع هنا، بناء على اعتبار الماضوية في الايجاب والقبول، وقد نص جمع كثير بعدم جواز التقديم هنا (1).
وإذا وقع القبول بالقسم الثالث - أعني به ابتعت واشتريت وملكت مخففا - جاز تقديمه على الايجاب، لأنه عندئذ لم يؤخذ فيه عنوان المطاوعة لكي يستحيل تقديمه عليه، وإنما استفيدت المطاوعة من القرائن المقامية، وهي أن النقل يتحقق - غالبا - من قبل البائع قبل تحققه من قبل المشتري، ومن البين أن هذه القرينة غير مانعة عن تقديم القبول على الايجاب، بديهة أن المشتري قد أنشأ بالألفاظ المذكورة مليكة المثمن لنفسه بإزاء الثمن، ولا يفرق في ذلك تقدمها على الايجاب وتأخرها عنه.
ثم إنه (رحمه الله) تكلم في سائر العقود إلى أن قال: وأما المصالحة المشتملة على المعاوضة، فلما جاز ابتداء الالتزام بها لكل من المتصالحين - لتساوي نسبتها إليهما - كان البادي منهما موجبا لصدق عنوان الموجب عليه لغة وعرفا، ولكن لما انعقد الاجماع على توقف العقد على القبول