شواهد الحق في الاستغاثة بسيد الخلق (ص) - الشيخ يوسف بن اسماعيل النبهاني - الصفحة ١٧٠
الله تعالى (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب) وقال تعالى (ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه) ومن ذلك الكعبة المعظمة والحجر الأسود ومقام إبراهيم عليه السلام فإنها أحجار وأمرنا الله تعالى بتعظيمها بالطواف بالبيت ومس الركن اليماني، وتقبيل الحجر الأسود، وبالصلاة خلف المقام، وبالوقوف للدعاء عند المستجار وباب الكعبة والملتزم، ونحن في ذلك كله لم نعبد إلا الله تعالى ولم نعتقد تأثيرا لغيره ولا نفعا ولا ضرا، فلا يثبت شئ من ذلك لأحد سوى الله تعالى.
والحاصل أن هنا أمرين: أحدهما وجوب تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم ورفع رتبته عن سائر الخلق، والثاني إفراد الربوبية واعتقاد أن الرب تبارك وتعالى منفرد بذاته وصفاته وأفعاله عن جميع خلقه، فمن اعتقد في مخلوق مشاركة الباري سبحانه وتعالى في شئ من ذلك فقد أشرك كالمشركين الذين كانوا يعتقدون الألوهية للأصنام واستحقاقها العبادة، ومن قصر بالرسول صلى الله عليه وسلم عن شئ من مرتبته فقد عصى أو كفر. وأما من بالغ في تعظيمه بأنواع التعظيم ولم يصفه بشئ من صفات الباري عز وجل فقد أصاب الحق وحافظ على جانب الربوبية والرسالة جميعا، وذلك هو القول الذي لا إفراط فيه ولا تفريط، وإذا وجد في كلام المؤمنين إسناد شئ لغير الله تعالى يجب حمله على المجاز العقلي ولا سبيل إلى تكفيرهم إذ المجاز العقلي مستعمل في الكتاب والسنة، فمن ذلك قوله تعالى (وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا) فإسناد الزيادة إلى الآيات مجاز عقلي لأنها سبب في الزيادة، والذي يزيد حقيقة هو الله تعالى وحده، وقوله تعالى (يوما يجعل الولدان شيبا) فإسناد الجعل إلى اليوم مجاز عقلي، لأن اليوم محل لجعلهم شيبا، فالجعل المذكور واقع في اليوم، والجاعل حقيقة هو الله تعالى وقوله تعالى (ولا يغوث ويعوق ونسرا، وقد أضلوا كثيرا) فإسناد الاضلال إلى الأصنام مجاز عقلي لأنها سبب في حصول الاضلال، والهادي والمضل هو الله تعالى وحده، وقوله تعالى حكاية عن فرعون (يا هامان ابن لي صرحا) فإسناد البناء إلى هامان مجاز عقلي لأنه سبب فهو آمر يأمر ولا يبني بنفسه، والباني إنما هو الفعلة.
وأما الأحاديث ففيها شئ كثير يعرفه من وقف عليها وكان ممن يعرف الفرق بين الإسناد الحقيقي والمجازي فلا حاجة إلى الإطاعة بنقلها. وقال العلماء: إن صدور ذلك الإسناد من موحد كاف في جعله إسنادا مجازيا لأن الاعتقاد الصحيح هو اعتقاد أن الخالق للعباد وأفعالهم هو الله وحده فهو الخالق للعباد وأفعالهم لا تأثير لأحد سواه لا لحي ولا لميت
(١٧٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 165 166 167 168 169 170 171 172 173 174 175 ... » »»