شواهد الحق في الاستغاثة بسيد الخلق (ص) - الشيخ يوسف بن اسماعيل النبهاني - الصفحة ١٧٥
(يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا) بأبي أنت وأمي يا رسول الله لقد اتبعك في قصر عمرك من لم يتبع نوحا في كبر سنه وطول عمره ".
فانظر إلى هذه الألفاظ التي صدرت من عمر رضي الله عنه. وقد تعدد فيها النداء له صلى الله عليه وسلم بعد وفاته وقد رواها كثير من أئمة الحديث; وذكرها القاضي عياض في الشفاء والغزالي في الإحياء والقسطلاني في المواهب اللدنية، وابن الحاج في المدخل فيبطل بها وبغيرها قول المانعين للنداء القائلين إن كل نداء دعاء وكل دعاء عبادة، وروى البخاري عن أنس رضي الله عنه أن فاطمة رضي الله عنها بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا أبتاه أجاب ربا دعاه، يا أبتاه جنة الفردوس مأواه، يا أبتاه إلى جبريل ننعاه " وفي رواية " إلينا جبريل نعاه " والنعي هو الإخبار بالموت، وقد يكون الإخبار للعالم بموته تأسفا على فقده، فكل من الروايتين صحيح في المعنى، ففي هذا الحديث أيضا نداؤه صلى الله عليه وسلم بعد وفاته، وفي المواهب: ورثته عمته صفية رضي الله عنها بمراث كثيرة، قالت في مطلع قصيدة منها:
ألا يا رسول الله كنت رجاءنا * وكننت بنا برا ولم تك جافيا ففي البيت نداؤه بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، ولم ينكره عليها أحد من الصحابة رضي الله عنهم مع حضورهم وسماعهم له، ومما جاء من النداء للميت التلقين له بعد دفنه وقد ذكره كثير من الفقهاء واستندوا في ذلك إلى حديث الطبراني عن أبي أمامة رضي الله عنه، واعتضد بشواهد. وصورته أن يقول للميت عند قبره بعد دفنه " يا عبد الله ابن أمة الله اذكر العهد الذي خرجت عليه من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأن الجنة حق وأن النار حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، قل رضيت بالله ربا وبالاسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا، وبالكعبة قبلة وبالمسلمين إخوانا، ربي لا إله إلا هو رب العرش العظيم " ففي التلقين النداء والخطاب للميت، وحديث نداء النبي صلى الله عليه وسلم كفار قريش المقتولين ببدر بعد إلقائهم في القليب مشهور رواه البخاري وأصحاب السنن، وذكروا أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم ويقول " أيسركم أطعتم الله ورسوله فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا؟ ".
وأما ما جاء من الآثار عن الأئمة الأحبار والعلماء الأخيار والأولياء الكبار مما يدل على جواز ذلك النداء والخطاب فشئ كثير تنقضي دون نقله الأعمار، ومضى على ذلك
(١٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 170 171 172 173 174 175 176 177 178 179 180 ... » »»