شواهد الحق في الاستغاثة بسيد الخلق (ص) - الشيخ يوسف بن اسماعيل النبهاني - الصفحة ١٧٣
من الأحاديث الصحيحة والآثار الصريحة، فقولهم إن نداء الميت والجماد والغائب دعاء وكل دعاء عبادة غير صحيح على إطلاقه وعمومه ولو كان كل نداء عبادة لامتنع نداء الحي والميت فإنهما مستويان في أن كلا منهما لا تأثير له في شئ ولا يعتقد أحد من المسلمين ألوهية غير الله تعالى ولا تأثير لأحد سواه، فالدعاء الذي هو مخ العبادة هو الرغبة للإله والخضوع بين يديه، وسأذكر لك كثيرا من الأحاديث والآثار التي جاء فيها النداء والخطاب للأموات والغائبين والجمادات وإن تقدم كثير من ذلك فلا بأس بإعادته، فمنها حديث الضرير الذي رواه عثمان بن حنيف رضي الله عنه، فإن فيه " يا محمد إني أتوجه بك إلى ربك " وتقدم أن الصحابة رضي الله عنهم استعملوا ذلك بعد وفاته صلى الله عليه وسلم.
وحديث بلال بن الحارث رضي الله عنه فإن فيه " أنه جاء إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله استسق لأمتك " ففيه النداء له بعد وفاته والخطاب بالطلب منه أن يستسقي لأمته.
والأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم في زيارة القبور في كثير منها النداء والخطاب للأموات كقوله " السلام عليكم يا أهل القبور، السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون " ففيها نداء وخطاب، وهي أحاديث كثيرة لا حاجة إلى الإطالة بذكرها، وتقدم أن السلف والخلف من أهل المذاهب الأربعة استحبوا للزائر أن يقول تجاه القبر الشريف: يا رسول الله إني جئتك مستغفرا من ذنبي مستشفعا بك إلى ربي، وصح عن بلال بن الحارث رضي الله عنه أنه ذبح شاة عام القحط المسمى عام الرمادة فوجدها هزيلة فصار يقول: وا محمداه وا محمداه، وصح أيضا أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لما قاتلوه مسيلمة الكذاب كان شعارهم: وا محمداه وا محمداه، وفي الشفاء للقاضي عياض أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما خدرت رجله مرة، فقيل له:
اذكر أحب الناس إليك، قال وا محمداه فانطلقت رجله. وجاء الخطاب وصورة النداء في التشهد الذي يأتي به المسلم في كل صلاة وعلمه النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه، فإن فيه: السلام عليك أيها النبي، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل أرضا قال:
" يا أرض ربي وربك الله " ففيه الخطاب والنداء للجماد، وذكر الفقهاء في آداب السفر:
أن المسافر إذا انفلتت دابته بأرض ليس بها أنيس، فليقل: يا عباد الله احبسوا، وإذا أضل شيئا أو أراد عونا فليقل: يا عباد الله أعينوني أو أغيثوني فإن له عبادا لا تراهم.
(١٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 168 169 170 171 172 173 174 175 176 177 178 ... » »»