شواهد الحق في الاستغاثة بسيد الخلق (ص) - الشيخ يوسف بن اسماعيل النبهاني - الصفحة ١٦٩
بقوله: استغاثوا بآدم فإن الإسناد مجازي إذ المستغاث به حقيقة هو الله تعالى، وصح عنه صلى الله عليه وسلم لمن أراد عونا أن يقول " يا عباد الله أعينوني " وفي رواية " أغيثوني " وجاء في قصة قارون لما خسف به أنه استغاث بموسى عليه السلام فلم يغثه وصار يقول يا أرض خذيه فعاتبه الله حيث لم يغثه وقال له استغاث بك فلم تغثه ولو استغاث بي لأغثته فإسناد الإغاثة إلى الله تعالى إسناد حقيقي، وإلى موسى عليه السلام مجازي. وقد يكون معنى التوسل به صلى الله عليه وسلم طلب الدعاء منه إذ هو حي صلى الله عليه وسلم يعلم سؤال من يسأله، وقد تقدم حديث بلال بن الحارث رضي الله عنه المذكور فيه أنه جاء إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله استسق لأمتك، أي ادع الله لهم، فعلم أنه صلى الله عليه وسلم يطلب منه الدعاء بحصول الحاجات كما كان يطلب منه في حياته لعلمه بسؤال من يسأله مع قدرته على التسبب في حصول ما سئل فيه بسؤاله ودعائه وشفاعته إلى ربه عز وجل، وأنه صلى الله عليه وسلم يتوسل به في كل خير قبل بروزه لهذا العالم وبعده في حياته وبعد وفاته، وكذا في عرصات القيامة فيشفع إلى ربه، وكل هذا مما تواترت به الأخبار وقام به الإجماع قبل ظهور المانعين منه، فهو صلى الله عليه وسلم له الجاه الوسيع والقدر المنيع عند سيده ومولاه المنعم عليه بما حباه وأولاه. وأما تخيل بعض المحرومين أن منع التوسل والزيارة من المحافظة على التوحيد، وأن فعل ذلك مما يؤدي إلى الشرك فهو تخيل فاسد باطل، فالتوسل والزيارة إذا فعل كل منهما مع المحافظة على آداب الشريعة الغراء لا يؤدي إلى محذور البتة، والقال بمنع ذلك سدا للذريعة متقول على الله تعالى وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم وكأن هؤلاء المانعين للتوسل والزيارة يعتقدون أنه لا يجوز تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم فحيثما صدر من أحد تعظيم له صلى الله عليه وسلم حكموا على فاعله بالكفر والاشراك، وليس الأمر كما يقولون، فإن الله تعالى عظم النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم بأعلى أنواع التعظيم، فيجب علينا أن نعظم من عظمه الله تعالى وأمر بتعظيمه، نعم يجب علينا أن لا نصفه بشئ من صفات الربوبية، ورحم الله الشيخ الابوصيري حيث قال:
دع ما ادعته النصارى في نبيهم * واحكم بما شئت مدحا فيه واحتكم فليس في تعظيمه صلى الله عليه وسلم بغير صفات الربوبية شئ من الكفر والاشراك، بل ذلك من أعظم الطاعات والقربات، وهكذا كل من عظمهم الله تعالى كالأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وكالملائكة والصديقين والشهداء والصالحين. قال
(١٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 164 165 166 167 168 169 170 171 172 173 174 ... » »»