شواهد الحق في الاستغاثة بسيد الخلق (ص) - الشيخ يوسف بن اسماعيل النبهاني - الصفحة ١٦٥
السماء وهو على المنبر " وفي صحيح البخاري " أنه لما جاء الأعرابي وشكا للنبي صلى الله عليه وسلم القحط، فدعا الله فانجابت السحاب بالمطر قال صلى الله عليه وسلم لو كان أبو طالب حيا لقرت عيناه، من ينشدنا قوله؟ فقال علي رضي الله عنه يا رسول الله كأنك أردت قوله:
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه * ثمال اليتامى عصمة للأرامل فتهلل وجه النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينكر إنشاد البيت ولا قوله يستسقى الغمام بوجهه " ولو كان في ذلك إشراك لأنكره ولم يطلب إنشاده، وكان سبب إنشاء البيت من أبي طالب من جملة قصيدة مدح بها النبي صلى الله عليه وسلم أن قريشا أصابهم قحط فاستسقى بهم أبو طالب وتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم فاغدودق عليهم السحاب بالمطر وكان ذلك قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم فأنشأ أبو طالب تلك القصيدة، وصح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: أوحى الله تعالى إلى عيسى عليه السلام: يا عيسى آمن بمحمد ومر من أدركه من أمتك أن يؤمنوا به فلو لا محمد ما خلقت الجنة والنار ولقد خلقت العرش على الماء فاضطرب فكتبت عليه لا إله إلا الله محمد رسول الله فسكن.
قال في الجوهر المنظم: فإذا كان له صلى الله عليه وسلم هذا الفضل والخصوصية أفلا يتوسل به؟ وذكر القسطلاني في شرحه على البخاري عن كعب الأحبار أن بني إسرائيل كانوا إذا قحطوا استسقوا بأهل بيت نهيهم. فعلم بذلك أن التوسل مشروع حتى في الأمم السابقة " وقال السيد السمهودي في خلاصة الوفا: إن العادة جرت أن من توسل عند شخص بمن له قدر عنده يكرمه لأجله ويقضي حاجته، وقد يتوجه بمن له جاه إلى من هو أعلى منه، وإذا جاز التوسل بالأعمال الصالحة كما في صحيح البخاري في حديث الثلاثة الذين أووا إلى غار فأطبق عليهم فتوسل كل واحد منهم إلى الله تعالى بأرجى عمل له فانفرجت الصخرة التي سدت الغار عليهم، فالتوسل به صلى الله عليه وسلم أحق وأولى لما فيه من النبوة والفضائل سواء كان ذلك في حياته أو بعد وفاته، فالمؤمن إذا توسل به إنما يريد نبوته التي جمعت الكمالات. وهؤلاء المانعون للتوسل يقولون: يجوز التوسل بالأعمال الصالحة مع كونها أعراضا، فالذوات الفاضلة أولى، فإن عمر رضي الله عنه توسل بالعباس رضي الله عنه، وأيضا لو سلمنا لهم ذلك فنقول لهم إذا جاز التوسل بالأعمال الصالحة فما المانع من جوازها بالنبي صلى الله عليه وسلم باعتبار ما قام به من النبوة والرسالة والكمالات التي فاقت كل كمال وعظمت على كل عمل صالح في الحال والمآل مع ما ثبت
(١٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 160 161 162 163 164 165 166 167 168 169 170 ... » »»