شواهد الحق في الاستغاثة بسيد الخلق (ص) - الشيخ يوسف بن اسماعيل النبهاني - الصفحة ١٦٠
يجب حمله على المجاز العقلي، وإسلامه وتوحيده قرينة على ذلك كما نص على ذلك علماء المعاني في كتبهم وأجمعوا عليه.
وأما منع التوسل مطلقا فلا وجه له مع ثبوته في الأحاديث الصحيحة ومع صدوره من النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وسلف الأمة وخلفها، فهؤلاء المنكرون التوسل المانعون منه: منهم من يجعله حراما، ومنهم من يجعله كفرا وإشراكا، وكل ذلك باطل لأنه يؤدي إلى اجتماع معظم الأمة على الحرام والاشراك، لأن من تتبع كلام الصحابة والعلماء من السلف والخلف يجد التوسل صادرا منهم، بل ومن كل مؤمن في أوقات كثيرة واجتماع أكثرهم على الحرام أو الإشراك لا يجوز لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح " لا تجتمع أمتي على ضلالة " بل قال بعضهم إنه حديث متواتر، وقال تعالى (كنتم خير أمة أخرجت الناس) فكيف تجتمع كلها أو أكثرها على ضلالة وهي خير أمة أخرجت للناس، فاللائق بهؤلاء المنكرين إذا أرادوا سد الذريعة ومنع الألفاظ الموهمة كما زعموا أن يقولوا: ينبغي أن يكون التوسل بالأدب وبالألفاظ التي ليس فيها إيهام، كأن يقول المتوسل: اللهم إني أسألك وأتوسل إليك بنبيك صلى الله عليه وسلم وبالأنبياء قبله وبعبادك الصالحين أن تفعل بي كذا وكذا، لا أنهم يمنعون التوسل مطلقا، ولا أن يتجاسروا على تكفير المسلمين الموحدين الذين لا يعتقدون التأثير إلا لله وحده لا شريك له.
ومما تمسك به هؤلاء المنكرون للتوسل قوله تعالى (لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا) فإن الله نهى المؤمنين في هذه الآية أن يخاطبوا النبي صلى الله عليه وسلم بمثل ما يخاطب بعضهم بعضا: كأن ينادوه باسمه، وقياسا على ذلك لا ينبغي أن يطلب من غير الله تعالى كالأنبياء والصالحين الأشياء التي جرت العادة بأنها لا تطلب إلا من الله تعالى لئلا تحصل المساواة بين الله تعالى وخلقه بحسب الظاهر وإن كان الطلب من الله تعالى على سبيل التأثير والإيجاد ومن غيره على سبيل التسبب والكسب لكنه ربما يوهم تأثير غير الله تعالى فمنع من ذلك الطلب لدفع هذا الايهام. والجواب أن هذا لا يقتضي المنع من التوسل مطلقا ولا يقتضي منع الطلب إذا صدر من موحد فإنه يحمل على المجاز العقلي بقرينة صدوره من موحد، فما وجه كونه حراما أو شركا؟ فلو قالوا إنه خلاف الأدب وأجازوا التوسل وشرطوا فيه أن يكون بالأدب والاحتراز عن الألفاظ الموهمة لكان له وجه، فالمنع مطلقا لا وجه له.
(١٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 155 156 157 158 159 160 161 162 163 164 165 ... » »»