شواهد الحق في الاستغاثة بسيد الخلق (ص) - الشيخ يوسف بن اسماعيل النبهاني - الصفحة ١٥٩
لأنهم لا يخلقون شيئا وليس لهم تأثير في شئ، وإنما يتبرك بهم لكونهم أحياء الله تعالى، والخلق والإيجاد والتأثير لله وحده لا شريك له.
وأما الذين يفرقون بين الأحياء والأموات فإنهم يعتقدون التأثير للأحياء دون الأموات ونحن نقول (الله خالق كل شئ - والله خلقكم وما تعملون) فهؤلاء المجوزون التوسل بالأحياء دون الأموات هم الذين دخل الشرك في توحيدهم لكونهم اعتقدوا تأثير الأحياء دون الأموات، فهم الذين اعتقدوا تأثير غير الله تعالى، فكيف يدعون الحافظة على التوحيد وينسبون غيرهم إلى الإشراك " سبحانك هذا بهتان عظيم " فالتوسل والتشفع والاستغاثة كلها بمعنى واحد، وليس لها في قلوب المؤمنين معنى إلا التبرك بذكر أحباء الله تعالى لما ثبت أن الله يرحم العباد بسببهم سواء كانوا أحياء أو أمواتا، فالمؤثر والموجد حقيقة هو الله تعالى، وهؤلاء سبب عادي في ذلك لا تأثير لهم، وذلك مثل السبب العادي فإنه لا تأثير له. وحياة الأنبياء في قبورهم ثابتة بأدلة كثيرة استدل بها أهل السنة وكذا حياة الشهداء والأولياء، وليس هذا محل بسط الكلام عليها.
وشبهة هؤلاء المانعين للتوسل أنهم رأوا بعض العامة يتوسعون في الكلام ويأتون بألفاظ توهم أنهم يعتقدون التأثير لغير الله تعالى ويطلبون من الصالحين أحياء وأمواتا أشياء جرت العادة بأنها لا تطلب إلا من الله تعالى ويقولون للولي افعل لي كذا وكذا، وربما يعتقدون الولاية في أشخاص لم يتصفوا بها، بل اتصفوا بالتخليط وعدم الاستقامة، وينسبون لهم كرامات وخوارق عادات وأحوالا ومقامات ليسوا بأهل لها ولم يوجد فيهم شئ منها، فإنما أراد هؤلاء المانعون للتوسل أن يمنعوا العامة من تلك التوسعات دفعا للابهام وسدا للذريعة وإن كانوا يعلمون أن العامة لا تعتقد تأثيرا ولا نفعا ولا ضرا لغير الله تعالى، ولا تقصد بالتوسل إلا التبرك ولو أسندوا للأولياء شيئا لا يعتقدون فيهم تأثيرا. فنقول لهم: إذا كان الأمر كذلك وقصدتم سد الذريعة. فما الحامل لكم على تكفير الأمة عالمهم وجاهلهم خاصهم وعامهم، وما الحامل لكم على منع التوسل مطلقا؟ بل كان ينبغي لكم أن تمنعوا العامة من الألفاظ الموهمة وتأمروهم سلوك الأدب في التوسل مع أن تلك الألفاظ الموهمة يمكن حملها على الإسناد المجازي مجازا عقليا كما يحمل على ذلك قول القائل:
هذا الطعام أشبعني وهذا الماء أرواني وهذا الدواء أو الطبيب نفعني، فإن ذلك كله عند أهل السنة محمول على المجاز العقلي فإن الطعام لا يشبع والمشبع هو الله تعالى، والطعام سبب عادي لا تأثير له وكذا ما بعده. فالمسلم الموحد متى صدر منه إسناد الشئ لغير من هو له
(١٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 154 155 156 157 158 159 160 161 162 163 164 ... » »»