شواهد الحق في الاستغاثة بسيد الخلق (ص) - الشيخ يوسف بن اسماعيل النبهاني - الصفحة ١٦٣
الكعبة، فما بالك به صلى الله عليه وسلم، فهذا أولى بذلك قطعا. وقد تقدم قول الإمام مالك رحمه الله للمنصور: ولم تصرف وجهك عنه، وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم إلى الله تعالى؟ بل استقبله واستشفع به.
قال العلامة الزرقاني في شرح المواهب إن كتب المالكية طافحة باستحباب الدعاء عند القبر مستقبلا له مستدبرا للقبلة; ثم نقل عن مذهب الإمام أبي حنيفة والشافعي رحمهما الله تعالى والجمهور مثل ذلك. وأما مذهب الإمام أحمد ففيه اختلاف بين علماء مذهبه، والراجع عند المحققين منهم أن يستقبل القبر الشريف كيفية المذاهب، وكذا القول في التوسل، فإن المرجح عند المحققين منهم جوازه، بل استحبابه لصحة الأحاديث الدالة على ذلك فيكون المرجح عند الحنابلة موافقا لما عليه أهل المذاهب الثلاثة.
وأما ما ذكره الآلوسي في تفسيره من أن بعضهم نقل عن الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه أنه منع التوسل فهو غير صحيح إذ لم ينقله عن الإمام أحمد من أهل مذهبه، بل كتبهم طافحة باستحباب التوسل ونقل المخالف غير معتبر، فإياك أن تغتر بذلك. وقد بسط الإمام السبكي نصوص المذاهب الأربعة في استحباب التوسل في كتابه: المسمى [شفاء السقام في زيارة خير الأنام] فراجعه إن شئت.
وفي المواهب اللدنية للإمام القسطلاني: وقف أعرابي على قبره الشريف صلى الله عليه وسلم وقال: اللهم إنك أمرت بعتق العبيد وهذا حبيبك وأنا عبدك فاعتقني من النار على قبر حبيبك فهتف به هاتف: يا هذا تسأل العتق لك وحدك؟ هلا سألت العتق لجميع الخلق:
يعني من المؤمنين; اذهب فقد أعتقتك، ثم أنشد القسطلاني أحد البيتين المشهورين، وشارحه الزرقاني البيت الآخر، وهما:
إن الملوك إذا شابت عبيدهم * في رقهم أعتقوهم عتق أحرار وأنت يا سيدي أولى بذا كرما * قد شبت في الرق فاعتقني من النار ثم قال في المواهب وعن الحسن البصري قال: وقف حاتم الأصم على قبره صلى الله عليه وسلم، فقال يا رب إنا زرنا قبر نبيك صلى الله عليه وسلم فلا تردنا خائبين، فنودي:
يا هذا، ما أذنا لك في زيارة قبر حبيبنا إلا وقد قبلناك فأرجع أنت ومن معك من الزوار مغفورا لكم.
وقال ابن أبي فديك: سمعت بعض من أدركت من العلماء والصلحاء يقول: بلغنا أن من وقف عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فقال هذه الآية (إن الله وملائكته يصلون
(١٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 158 159 160 161 162 163 164 165 166 167 168 ... » »»