الاحكام - ابن حزم - ج ١ - الصفحة ٧٢
في اللغة، كقوله تعالى: (وآتوا الزكاة) فبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ماهية هذه الزكاة المأمور بإيتائها، دون أن يخرج من لفظ الزكاة شيئا، وكذلك فسر عليه السلام من صفات النكاح والحج وغير ذلك، وقد يكون باستثناء مثل ما روي عن نهيه عليه السلام عن بيع الرطب بالتمر، ثم استثنى العرايا فيما دون خمسة أوسق، فكان هذا مخرجا بحكم العرايا من جملة النهي المتقدم، وقد يكون الاستثناء بألفاظ الاستثناء مثل: إلا وخلا وحاشا وما لم، وما أشبه ذلك. وقد يكون حكما واردا بلفظ الامر، أو بلفظ الخبر، مستثنى من جملة أخرى، وهذا يسمى التخصيص، كتحريمه تعالى نكاح المشركات جملة، ثم جاءت إباحة نكاح نساء أهل الكتاب والزواج، فكان هذا تخصيصا من الجملة المذكورة.
وأما النسخ، فهو رفع الحكم أو بعضه جملة، والفرق بينه وبين الاستثناء والتخصيص أن الجملة الواردة التي جاء التخصيص أو الاستثناء منها لم يرد الله تعالى قط إلزامها لنا على عمومها وقتا من الدهر، كالذي ذكرنا من تحريم المشركات، فإنه لم يرد قط بذلك نكاح نساء الكتابيين بالزواج، وكذلك القول في العرايا وأما النسخ فإننا مكلفون الجملة الأولى على عمومها مدة ما لم يأت أمر بإبطالها عنا، أو إبطال بعضها على ما تبين في باب النسخ إذا بلغنا إليه إن شاء الله تعالى.
فإما وجوه البيان التي ذكرنا من التفسير والاستثناء والتخصيص، فقد يكون بالقرآن للقرآن، وبالحديث للقرآن، وبالاجماع للقرآن، وقد يكون بالقرآن للحديث، وبالحديث للحديث، وبالاجماع المنقول للحديث.
وقولنا: الحديث، إنما نعني به الامر والفعل والاقرار والإشارة، فكل ذلك يكون بيانا للقرآن، ويكون القرآن بيانا له، وإنما فرقنا آنفا بين التخصيص والاستثناء وبين النسخ لأنه قد تيقنا وجوب طاعة الله عز وجل ورسوله عليه السلام علينا، فحرام علينا الخروج عن طاعتهما في شئ مما أمرا به، أو أن نقول في شئ مما ألزمنا إنه منسوخ ساقط بعد وجوبه إلا بيان جلي لا شك فيه، وإذا وجدنا الحكم سقط بعضه بالاستثناء أو التخصيص فنحن على يقين من أنه لا يلزمنا فلا يحل لاحد أن يقول إنه لزم ثم سقط، فيكون قد قفا ما ليس له به علم، وقال بشك لا بيقين، وذلك حرام. ولا يجوز بأن نقول
(٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كلمة المطبعة وفيها تعليل شدة ابن حزم على الفقهاء 3
2 وعد.. ووعد 4
3 خطبة الكتاب 5
4 المقدمة وفيها بيان قوى النفس الإنسانية 6
5 الباب الأول في الغرض المقصود من الكتاب 7
6 الباب الثاني في فهرس الكتاب وأبوابه 12
7 الباب الثالث في إثبات حجج العقول 14
8 الباب الرابع في كيفية ظهور اللغات 28
9 الباب الخامس في الألفاظ (الاصطلاحية) الدائرة بين أهل النظر 34
10 فصل في حروف المعاني التي تتكرر في النصوص 46
11 الباب السادس هل الأشياء في العقل قبل ورود الشرع على الحظر أم على أم على الإباحة 47
12 فصل فيمن لم يبلغه الأمر من الشريعة 55
13 الباب السابع في أصول الأحكام في الديانة وأقسام المعارف 59
14 فصل في هل على النافي دليل أم لا 68
15 الباب الثامن في البيان ومعناه 71
16 الباب التاسع في تأخير البيان 75
17 الباب العاشر في الأخذ بموجب القرآن 85
18 الباب الحادي عشر في الكلام في الأخبار (وهى السنن المنقولة عن رسوله الله (ص) 87
19 فصل فيه أقسام الأخبار عن الله تعالى 93
20 فصل في هل يوجب خبر الواحد العلم مع العمل أو العمل دون العلم 107
21 صفة من يلزم قبول نقله الأخبار 122