الاحكام - ابن حزم - ج ١ - الصفحة ٦١
قال أبو محمد: أترى هؤلاء المقرين على أنفسهم أنهم كانوا لا يسمعون ولا يعقلون، ولو سمعوا أو عقلوا ما دخلوا النار، أكانت صمخ آذانهم ذات آفات مانعة من تأدية الأصوات؟ أو كانوا جاهلين بأمور دنياهم وأحكام حرثهم وغراستهم؟ والقيام على مواشيهم ونفقات أموالهم وإنمائها، وبنيان منازلهم وعمارة بساتينهم، وتدبير متاجرهم وصناعاتهم، وحفظ أموالهم، وطلب الجاه والرياسة؟ كلا والذي عذبهم وأخزاهم وذمهم؟ بل كانوا أعلم بذلك كله، وأشد اهتبالا به، وأشغل نفوسا فيه، وأبصر لنموه وتكثيره وحياطته - من أهل الفضل، المقتصرين من ذلك مما يضيع العيال والجسم بتركه أو ما جاءهم من ذلك على ما لابد منه عفوا، وكان غير شاغل لهم عما هو آكد عليهم، المقبلين على طلب معرفة الحقائق، والوقوف على العلم والعمل، الموصلين إلى معرفة الآخرة والسعادة في دار البقاء في الجنة التي وعدها الله تعالى أولياءه والمبعدين من الهلاك والقرار في دار العذاب في النار التي وعدها الله عز وجل لأعدائه المشتغلين بذلك عما تهافت عليه أهل الجهل والنقصان.
كما ثنا عبد الله بن يوسف بن نامي، عن أحمد بن فتح، عن عبد الوهاب بن عيسى عن أحمد بن محمد، عن أحمد بن علي، عن مسلم بن الحجاج، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو الناقد، وكلاهما عن أسود بن عامر قال: ثنا حماد بن سلمة عن هشام بن عروة وثابت البناني: هشام عن أبيه عن عائشة، وثابت عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أنتم أعلم بأمر دنياكم في حديث قوله عليه السلام في تلقيح النخل فتركوه فخرج شيصا، ولكن هؤلاء المعذبون أضربوا عن استعمال السمع والبصر، واللمس والذوق الشم، والعقل في الاستدلال على الخالق تعالى، ولم يقرب منه من عقد وقول وعمل وصرفوا كل ذلك في حطام فان، لا يجدي ولا يغني، بل يثقل ويندم، وبالله تعالى التوفيق.
قال علي: ووجدنا في القرآن إلزامنا الطاعة لما أمرنا به ربنا تعالى فيه، ولما
(٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كلمة المطبعة وفيها تعليل شدة ابن حزم على الفقهاء 3
2 وعد.. ووعد 4
3 خطبة الكتاب 5
4 المقدمة وفيها بيان قوى النفس الإنسانية 6
5 الباب الأول في الغرض المقصود من الكتاب 7
6 الباب الثاني في فهرس الكتاب وأبوابه 12
7 الباب الثالث في إثبات حجج العقول 14
8 الباب الرابع في كيفية ظهور اللغات 28
9 الباب الخامس في الألفاظ (الاصطلاحية) الدائرة بين أهل النظر 34
10 فصل في حروف المعاني التي تتكرر في النصوص 46
11 الباب السادس هل الأشياء في العقل قبل ورود الشرع على الحظر أم على أم على الإباحة 47
12 فصل فيمن لم يبلغه الأمر من الشريعة 55
13 الباب السابع في أصول الأحكام في الديانة وأقسام المعارف 59
14 فصل في هل على النافي دليل أم لا 68
15 الباب الثامن في البيان ومعناه 71
16 الباب التاسع في تأخير البيان 75
17 الباب العاشر في الأخذ بموجب القرآن 85
18 الباب الحادي عشر في الكلام في الأخبار (وهى السنن المنقولة عن رسوله الله (ص) 87
19 فصل فيه أقسام الأخبار عن الله تعالى 93
20 فصل في هل يوجب خبر الواحد العلم مع العمل أو العمل دون العلم 107
21 صفة من يلزم قبول نقله الأخبار 122