الاحكام - ابن حزم - ج ١ - الصفحة ٧٦
وبعضها بالمدينة، وبعضها أكمل من بعض، فهلا اعترض المانعون ربهم تعالى من أن يفعل ما يشاء بغير نص منه تعالى أنه لا يفعله - على ربهم فيما ذكرنا فيقولون: هلا نزلت هذه القصص كاملة في مكان واحد، فتكون أتم للوعظ، وأشفى للخبر، ثم يؤكدها كذلك إن شاء.
وليت شعري إذ أقر هؤلاء بأن التأكيد حكمة، فماذا يقولون في قصص كثيرة ومواعظ لم يذكرها عز وجل في القرآن إلا مرة واحدة؟ أتراها عريت عن الحكمة إذ لم تكرر ولا وكدت؟
وأيضا فإن أكد تعالى تكرار مسألة موسى عليه السلام عشرين مرة مثلا ما الفرق بين عشرين مرة، وبين إحدى وعشرين مرة أو تسع عشر مرة؟
فإن ادعى أن هذا العدد أبلغ في الحكمة ادعى القحة وبانت قلة الحياء في وجهه، وقال ما يعلم أنه بخلاف ما يقول، وسألناه أيضا عن قصص أخر كررت أقل من تكرار قصة موسى عليه السلام. فإن قال اكتفى بتكرار قصة موسى، قيل له:
ما الفرق أن يكتفي بتكرار قصة موسى عن تكرار قصة إبراهيم. ولا يكتفي بتكرار قصة إبراهيم عن تكرار قصة موسى؟ وما الفرق بين ذكره تعالى ما ذكر من قصص الأنبياء عليهم السلام، وبين ما أمسك عنه تعالى من ذكره لبعضهم؟ وما الفرق بين ذلك وبين أن لو ذكر من أمسك عنه وأمسك عمن ذكر، وقد ذكر من لا شريعة له غير شريعة من قبله كثيرا، كإلياس واليسع وذي الكفل، وغيرهم، ولعل من أمسك عنه تعالى ولم يذكره من الرسل أعظم آية، وأبلغ في الوعظ ممن ذكر.
قال علي: وأنا أقطع ولا أمتري أن ملقي هذه النكتة إلى ضعفاء المسلمين مغمور في دينه، ضعيف في عقله، كائد للشريعة، ولا شك في ذلك، ثم تهافت بالتقليد مع من تهافت، وبالله تعالى التوفيق.
ومما سأل عنه المانعون من تأخير البيان جملة أن قالوا: ما تقولوا فيمن سمع آية قطع السارق، ولم يسمع الحديث المبين للتوقيت في ذلك، أيقطع كل سارق لفلس من ذهب؟ وفيمن سمع آية الزنى ولم يسمع حكم الرجم، وفيمن سمع آية الرضاع ولم يسمع الحديث في التوقيت في ذلك، أيجلد المحصن ولا يرجمه؟ ويجلد
(٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كلمة المطبعة وفيها تعليل شدة ابن حزم على الفقهاء 3
2 وعد.. ووعد 4
3 خطبة الكتاب 5
4 المقدمة وفيها بيان قوى النفس الإنسانية 6
5 الباب الأول في الغرض المقصود من الكتاب 7
6 الباب الثاني في فهرس الكتاب وأبوابه 12
7 الباب الثالث في إثبات حجج العقول 14
8 الباب الرابع في كيفية ظهور اللغات 28
9 الباب الخامس في الألفاظ (الاصطلاحية) الدائرة بين أهل النظر 34
10 فصل في حروف المعاني التي تتكرر في النصوص 46
11 الباب السادس هل الأشياء في العقل قبل ورود الشرع على الحظر أم على أم على الإباحة 47
12 فصل فيمن لم يبلغه الأمر من الشريعة 55
13 الباب السابع في أصول الأحكام في الديانة وأقسام المعارف 59
14 فصل في هل على النافي دليل أم لا 68
15 الباب الثامن في البيان ومعناه 71
16 الباب التاسع في تأخير البيان 75
17 الباب العاشر في الأخذ بموجب القرآن 85
18 الباب الحادي عشر في الكلام في الأخبار (وهى السنن المنقولة عن رسوله الله (ص) 87
19 فصل فيه أقسام الأخبار عن الله تعالى 93
20 فصل في هل يوجب خبر الواحد العلم مع العمل أو العمل دون العلم 107
21 صفة من يلزم قبول نقله الأخبار 122