تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٩ - الصفحة ٢٦٠
وقوله: " وبشر المؤمنين " معطوف على الامر المفهوم من سابق الكلام كأنه قيل:
قل يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم " الخ، وبشر المؤمنين.
وتحاذي هذه البشرى ما في قوله: " إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة - إلى أن قال - فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به " التوبة: 111، وبه يظهر أن الذي أمر أن يبشروا به مجموع ما يؤتيهم الله من الاجر في الآخرة والدنيا لا خصوص النصر والفتح.
هذا كله ما يعطيه السياق في معنى الآية وإعراب أجزائها، وقد ذكر فيها أمور أخرى لا يساعد عليها السياق تلك المساعدة أغمضنا عن ذكرها، واحتمل أن يكون قوله: " وبشر " الخ استئنافا.
قوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله " الخ، أي اتسموا بهذه السمة ودوموا واثبتوا عليها فالآية في معنى الترقي بالنسبة إلى قوله السابق: " هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم " ومآل المعنى: اتجروا بأنفسكم وأموالكم فانصروا الله بالايمان والجهاد في سبيله ودوموا واثبتوا على نصره.
والمراد بنصرتهم لله أن ينصروا نبيه في سلوك السبيل الذي يسلكه إلى الله على بصيرة كما قال: " قل هذه سبيلي ادعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني " يوسف: 108.
والدليل على هذا المعنى تنظيره تعالى قوله: " كونوا أنصار الله " بقوله بعده: " كما قال عيسى بن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله " فكون الحواريين أنصار الله معناه كونهم أنصارا لعيسى بن مريم عليهما السلام في سلوكه سبيل الله وتوجهه إلى الله وهو التوحيد وإخلاص العبادة لله سبحانه فمحاذاة قولهم: " نحن أنصار الله " لقوله: " من أنصاري إلى الله " ومطابقته له تقتضي اتحاد معنى الكلمتين بحسب المراد فكون هؤلاء المخاطبين بقوله: " يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله " أنصارا لله معناه كونهم أنصارا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم في نشر الدعوة وإعلاء كلمة الحق بالجهاد، وهو الايمان بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وطاعته فيما يأمر وينهى عن قول جازم وعمل صادق - كما هو مؤدى سياق آيات السورة.
وقوله: " فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين " إشارة إلى ما جرى عليه وانتهى إليه أمر استنصار عيسى
(٢٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 255 256 257 258 259 260 261 262 263 264 265 ... » »»
الفهرست