تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٦ - الصفحة ٢٧٤
الآية عامة في حد نفسها لكنها من حيث وقوعها في سياق النهى تأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم باتباع ما نزل به الوحي فيما يسأله الكافرون والمنافقون واتباعه اجراؤه عملا بدليل قوله: (ان الله كان بما تعملون خبيرا).
قوله تعالى: (وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا) الآية كالآية السابقة في أنها عامة في حد نفسها، لكنها لوقوعها في سياق النهى السابق تدل على الامر بالتوكل على الله فيما يأمره به الوحي وتشعر بأنه أمر صعب المنال بالنظر إلى الأسباب الظاهرية لا يسلم القلب معه من عارضة المخافة والاضطراب الا التوكل على الله سبحانه فإنه السبب الوحيد الذي لا يغلبه سبب مخالف.
قوله تعالى: (ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه) كناية عن امتناع الجمع بين المتنافيين في الاعتقاد فان القلب الواحد أي النفس الواحدة لا يسع اعتقادين متنافيين ورأيين متناقضين فان كان هناك متنافيان فهما لقلبين وما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه فالرجل الواحد لا يسعه أن يعتقد المتنافيين ويصدق بالمتناقضين وقوله: (في جوفه) يفيد زيادة التقرير كقوله: (ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) الحج: 46.
قيل: الجملة توطئة وتمهيد كالتعليل لما يتلوها من الغاء أمر الظهار والتبني فان في الظهار جعل الزوجة بمنزلة الام وفى التبني والدعاء جعل ولد الغير ولدا لنفسه والجمع بين الزوجية والأمومة وكذا الجمع بين بنوة الغير وبنوة نفسه جمع بين المتنافيين ولا يجتمعان الا في قلبين وما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه.
ولا يبعد أن تكون الجملة في مقام التعليل لقوله السابق: (لا تطع الكافرين والمنافقين) (واتبع ما يوحى إليك من ربك) فان طاعة الله وولايته وطاعة الكفار والمنافقين وولايتهم متنافيتان متباينتان كالتوحيد والشرك لا يجتمعان في القلب الواحد وما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه.
قوله تعالى: (وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم) كان الرجل في الجاهلية يقول لزوجته أنت منى كظهر أمي أو ظهرك على كظهر أمي فيشبه ظهرها بظهر أمه وكان يسمى ذلك ظهارا ويعد طلاقا لها، وقد ألغاه الاسلام.
فمفاد الآية أن الله لم يجعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن بقول ظهرك على
(٢٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 269 270 271 272 273 274 275 276 277 278 279 ... » »»
الفهرست