تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٩ - الصفحة ٢٩٠
أرادوه لاعدوا له عده لان من آثار من يريد أمرا من الأمور ان يتأهب له بما يناسبه من العدة والأهبة ولم يظهر منهم شئ من ذلك. وقوله ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم أي جزاء بنفاقهم وامتنانا عليك وعلى المؤمنين لئلا يفسدوا جمعكم ويفرقوا كلمتكم بالتفتين والقاء الخلاف. وقوله وقيل اقعدوا مع القاعدين أمر غير تشريعي لا ينافي الامر التشريعي بالنفر والخروج فقد أمرهم الله بلسان نبيه ص بالنفر والخروج وهو أمر تشريعي وأمرهم من ناحية سريرتهم الفاسدة والريب المتردد في قلوبهم وسجاياهم الباطنية الخبيثة بالقعود وهو أمر غير تشريعي ولا تنافى بينهما. ولم ينسب قول اقعدوا مع القاعدين إلى نفسه تنزيها لنفسه عن الامر بما لا يرتضيه وهناك أسباب متخللة آمره بذلك كالشيطان والنفس وانما ينسب إليه تعالى بالواسطة لانطباق معنى الجزاء والامتنان على المؤمنين عليه. وليتوافق الأمران المتخالفان صوره في السياق أعني قوله قيل لكم انفروا في سبيل الله وقوله قيل اقعدوا مع القاعدين. قوله تعالى لو خرجوا فيكم ما زادوكم الا خبالا و لأوضعوا خلالكم الآية الخبال هو الفساد واضطراب الرأي والايضاح الاسراع في الشر والخلال البين والبغى هو الطلب فمعنى يبغونكم الفتنة أي يطلبون لكم أو فيكم الفتنة على ما قيل والفتنة هي المحنة كالفرقة واختلاف الكلمة على ما يناسب الآية من معانيها والسماع السريع الإجابة والقبول. والآية في مقام التعليل لقوله ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم امتنانا ولذا جئ بالفصل من غير عطف والمعنى ظاهر. قوله تعالى لقد ابتغوا الفتنة من قبل وقلبوا لك الأمور حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون أي أقسم لقد طلبوا المحنة و اختلاف الكلمة وتفرق الجماعة من قبل هذه الغزوة وهى غزوه تبوك كما في غزوه أحد حين رجع عبد الله بن أبى بن سلول بثلث القوم وخذل النبي صلى الله عليه وآله وسلم و قلبوا لك الأمور بدعوة الناس إلى الخلاف وتحريضهم على المعصية وخذلانهم عن الجهاد وبعث اليهود والمشركين
(٢٩٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 285 286 287 288 289 290 291 292 293 294 295 ... » »»
الفهرست