تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٩ - الصفحة ١٨٧
خاصة وآثار وخواص مخصوصة بل الكلام في العهد بمعنى ما يعقده الانسان لغيره من الإعانة أو عدم الممانعة في متفرقات المقاصد الاجتماعية، وما يجعله لذلك من الآثار كمن يعاهد غيره ان يعطيه كل سنة كذا مالا ليستعين به على حوائجه، ويأخذ منه كذا مالا أو نفعا، أو يعاهده ان لا يزاحمه في عمله أو لا يمانعه في مسيره إلى اجل كذا أو لا إلى اجل، وهو نوع احكام وإبرام لا ينتقض إلا بنقض أحد الطرفين أو بنقضهما معا.
وربما زيد على إحكام العهد بالحلف وهو ان يقيد المعاهد ما يعطيه من العهد ويربطه بأمر عظيم شأنه يقدسه ويحترمه كأنه يجعل ما له من الحرمة والعزة رهنا يرهن به عهده يمثل به انه لو نقضه فقد أذهب حرمته يقول المعاهد: والله لا أخوننك، ولعمري لأساعدنك، وأقسم لأنصرنك، يمثل به انه لو اخلف وعده ونقض عهده فقد أبطل حرمة ربه، أو حرمة عمره أو حرمة قسمه فلا مروة له.
وربما أبرم العهد والميثاق بالبيعة والصفقة: يضع المعاهد يده في يد معاهده يمثل به انه أعطاه يده التي بها يفعل ما يفعل فلا يفعل ما يكره معاهده لان يده قبضة يده.
2 - العهود والمواثيق كما تمسها حياة الانسان الذي هو فرد المجتمع كذلك تمسها حياة المجتمع فليس المجتمع إلا المجتمع من افراد الانسان، حياته مجموع حياة اجزائه، وأعماله الحيوية مجموع اعمال اجزائه وله من الخير والشر والنفع والضر والصحة والسقم والنشوء والرشد والاستقامة والانحراف والسعادة والشقاوة والبقاء والزوال مجموع ما لاجزائه من ذلك.
فالمجتمع انسان كبير له من مقاصد الحياة ما للانسان الصغير، ونسبة المجتمع إلى المجتمع تقرب من نسبة الانسان الفرد إلى الانسان الفرد فهو يحتاج في ركوب مقاصده وإتيان أعماله من الامن والسلامة إلى مثل ما يحتاج إليه الانسان الفرد بل الحاجة فيه أشد وأقوى لان العمل يعظم بعظمة فاعله وعظمة غرضه، والمجتمع في حاجة إلى الامن والسلام من قبل اجزائه لئلا يتلاشى ويتفرق، وإلى الامن والسلام من قبل رقبائه من سائر المجتمعات.
وعلى هذا جرى ديدن المجتمعات الانسانية على ما بأيدينا من تاريخ الأمم والأقوام الماضية، وما نسمعه أو نشاهده من الملل الحاضرة فلم يزل ولا يزال المجتمع من المجتمعات الانسانية في حاجة قائمة إلى أن يعاهد غيره في بعض شؤون حياته السياسية والاقتصادية
(١٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 182 183 184 185 186 187 188 189 190 191 192 ... » »»
الفهرست