تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٩ - الصفحة ١٨٩
الله وعند رسوله إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم ان الله يحب المتقين، كيف وان يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون) التوبة: 8 وقد علل الاستقامة لمن استقام بأنه من التقوى - ذاك التقوى الذي لا دعوه في الدين إلا إليه - وان الله يحب المتقين، وهذا تعليل حي إلى يوم القيامة.
وقال تعالى: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) البقرة: 194 وقال: (ولا يجرمنكم شنآن قوم ان صدوكم عن المسجد الحرام ان تعتدوا وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان) المائدة: 2.
واما النقض الابتدائي من غير نقض من العدو المعاهد فلا مجوز له في هذا الدين الحنيف أصلا، وقد تقدم قوله تعالى: (فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم) الآية وقال: (ولا تعتدوا ان الله لا يحب المعتدين) البقرة: 190.
وعلى ذلك جرى عمل النبي صلى الله عليه وآله وسلم أيام حياته فقد عاهد بنى قينقاع وبنى قريظة وغيرهم من اليهود ولم ينقض الا بعد ما نقضوا، وعاهد قريشا في الحديبية ولم ينقض حتى نقضوا باظهار بنى بكر على خزاعة وقد كانت خزاعة في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وبنو بكر في عهد قريش.
وأما النقض من غير نقض فلا مبيح له في الاسلام وإن كان الوفاء مما يفوت على المسلمين بعض منافعهم، ويجلب إليهم بعض الضرر وهم على قدرة من حفظ منافعهم بالبأس والقوة أو أمكنهم الاعتذار ببعض ما تصور لهم الحجة ظاهرا وتصرف عنهم اللوم والعذل فان مدار الامر على الحق، والحق لا يستعقب شرا لا ضرا إلا على من انحرف عنه وآوى إلى غيره.
4 - المجتمعات الانسانية سيما الراقية المتمدنة منها غير المجتمع الديني لا هدف لاجتماعهم ولا غرض لسننهم الجارية إلا التمتع من مزايا الحياة المادية ما قدروا عليه فلا موجب لهم للتحفظ على شئ أزيد مما بأيديهم من القوانين العملية الناظمة لشتات مقاصدهم الحيوية.
ومن الضروري ان الظرف الذي هذا شأنه لا قيمة فيها للمعنويات إلا بمقدار
(١٨٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 184 185 186 187 188 189 190 191 192 193 194 ... » »»
الفهرست