تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٩ - الصفحة ١٨٦
إلى مقدمات يمهدها له، وتدبير سابق يقدمه لوجوده، فما كل عمل يعمله الانسان بصدفة، بل جل الأمور الحيوية من شأنها ان يتهيأ الانسان له قبل أوانه.
ومن التهيؤ له ان يتهيأ لجمع أسبابه ونظم الوسائل التي يتوسل بها إليه وان يتهيأ لرفع موانعه التي من شأنها ان تزاحمه في وجوده وعند حصوله، فالانسان لا يوفق لعمل ولا ينجح في مسعاه الا إذا كان في أمن من أن تفوته الأسباب أو تعارضه الموانع والمزاحمات.
والتنبه لهذه الحقيقة هو الذي بعث الانسان إلى أن يأخذ أمنا من رقبائه في الحياة: ان يعينوه فيما يحتاج من الأمور إلى معين مشارك، أو ان لا يمانعوه من العمل فيما يتوقف إلى ارتفاع الموانع وزوالها.
فالانسان وهو يريد أن يتخذ لباسا يلبسه من مادة بسيطة كالقطن أو الصوف، والامر متوقف على أعمال كثيرة يعملها الغزال والنساج والخياط ومن يصنع لهم أدوات الغزل والنسج والخياطة، لا يتم له ما يريده من اتخاذ اللباس ولا ينجح سعيه الا إذا كان في أمن من ناحية هؤلاء الرقباء: ان يعملوا على ما يريده ولا يخلوه وحده فيخيب سعيه يخسر في عمله.
وكذا الانسان القاطن في أرض أو الساكن في دار لا يتم له سكناه الا مع الامن من ممانعة الناس ومزاحمتهم له في سكناه والتصرف فيه بما يصلح به لذلك.
وهذا هو الذي هدى الانسان إلى اعتبار العقد وإبرام العهد، فهو يأخذ ما يريده من العمل ويربطه بما يعينه عليه من عمل غيره ويعقدهما: يمثل به عقد الحبال الذي يفيد اتصال بعض أجزائها ببعض وعدم تخلف بعضها عن بعض، ومثله العهد الذي يعهده إليه غيره ان يساعده في ما يريده من الامر أو ان لا يمانعه في ذلك.
وإلى ذلك يؤول أمر عامة العقود لعقد النكاح وعقد البيع والشرى وعقد الإجارة، ويصدق عليها العهد بمعناها العام وهو ان يعطى الانسان لغيره قولا أو كتابا ان يعينه على كذا أو ان لا يمنعه من كذا إلى اجل.
والكلام في المقام في العهد الذي لم يختص باسم خاص كعقد البيع والنكاح وغيرهما من عقود المعاملات فهى خارجة من غرضنا ولها في المجتمعات الانسانية أحكام
(١٨٦)
مفاتيح البحث: الوقوف (1)، البيع (2)، اللبس (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 181 182 183 184 185 186 187 188 189 190 191 ... » »»
الفهرست