تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٩ - الصفحة ١٩٢
في العمل بمعنى أنه لا يستغنى في تأثيره عن فاعل الفاعل إذ فرض عدمه يساوق انعدام الفاعل وانعدام أثره.
وليس من شرط الواسطة ان تكون غير ذات شعور بفعلها أو غير مختارة فان الشعور الذي يؤثر به الفاعل الشاعر في فعله لم يوجده هو لنفسه وانما أوجده فيه فاعله الذي أوجد الفاعل وشعوره، وكذلك الاختيار لم يوجده الفاعل المختار لنفسه وانما أوجده الفاعل الذي أوجد الفاعل المختار، وكما يتوقف الفعل في غير موارد الشعور والاختيار إلى فاعله، ويتوقف بعين هذا التوقف إلى فاعل فاعله، كذلك يتوقف الفعل الشعوري والفعل الاختياري إلى فاعله ويتوقف بعين هذا التوقف إلى فاعل فاعله الذي أوجد لفاعله الشعور والاختيار.
ففاعل الفاعل الشاعر أو المختار أراد من الفاعل الشاعر أو المختار ان يفعل من طريق شعوره فعلا كذا أو يفعل باختياره فعلا اختياريا كذا فقد أريد الفعل من طريق الاختيار لأنه أريد الفعل وأهمل الاختيار الذي ظهر به فاعله فافهم ذلك فلا تزل قدم بعد ثبوتها.
وعلى هذه الحقيقة يجرى الناس بحسب فهمهم الغريزى فينسبون الفعل إلى السبب البعيد كما ينسبونه إلى السبب القريب المباشر بما انه أثر مترشح منه يقال: بنى فلان دارا، وحفر بئرا وانما باشر ذلك البناء والحفار، ويقال: جلد الأمير فلانا، وقتل فلانا، وأسر فلانا، وحارب قوما كذا، وانما باشر الجلد جلاده، والقتل سيافه، والأسر جلاوزته، والمحاربة جنده، ويقال، أحرق فلان ثوب فلان، وإنما أحرقه النار، وشفى فلان مريضا كذا وانما شفاه الدواء الذي ناوله وأمره بشربه واستعماله.
ففي جميع ذلك يعتبر أمر الامر أو توسل المتوسل تأثيرا منه في الفاعل القريب ثم ينسب الفعل المنسوب إلى الفاعل القريب إلى الفاعل البعيد، وليس أصل النسبة إلا نسبة حقيقة من غير مجاز قطعا.
ومن قال من علماء الأدب وغيرهم ان ذلك كله من المجاز في الكلمة لصحة سلب الفعل عن الفاعل البعيد فان مالك البناء لم يضع لبنة على لبنة وإنما هو شأن البناء الذي باشر العمل! انما أراد الفعل بخصوصية صدوره عن الفعل المباشر ومن المسلم ان المباشرة انما هو شأن الفاعل القريب، ولا كلام لنا فيه، وانما الكلام فيما يتصور له
(١٩٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 187 188 189 190 191 192 193 194 195 196 197 ... » »»
الفهرست