تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٩ - الصفحة ١٧٤
وأما الوحي السماوي بما يشتمل عليه من المعارف والشرائع فليس للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا لمن دونه صنع فيه، ولا تأثير فيه مما له من الولاية العامة على أمور المجتمع الاسلامي بإطلاق أو تقييد أو امضاء أو نسخ أو غير ذلك، ولا تحكم عليه سنة قومية أو عادة جارية حتى توجب تطبيقه على ما يوافقها أو قيام العصبة مقام الانسان فيما يهمه من أمر.
والخلط بين البابين يوجب نزول المعارف الإلهية من أوج علوها وكرامتها إلى حضيض الأفكار الاجتماعية التي لا حكومة فيها إلا للرسوم والعادات والاصطلاحات، فيعود الانسان يفسر حقائق المعارف بما يسعه الأفكار العامية ويستعظم ما استعظمه المجتمع دون ما عظمه الله، ويستصغر ما استصغره الناس حتى يقول القائل في معنى كلمة الوحي إنه عادة عربية محترمة.
وأنت إذا تأملت هذه القصة - اخذ آيات براءة من أبى بكر وإعطاءها عليا على ما تقصها الروايات - وجدت فيها من مساهلة الرواة وتوسعهم في حفظ القصة بما لها من الخصوصيات - إن لم يستند إلى غرض آخر - أمرا عجيبا ففي بعضها - وهو الأكثر - انه صلى الله عليه وآله وسلم بعث أبا بكر بالآيات ثم بعث عليا وأمره ان يأخذها منه ويتلوها على الناس فرجع أبو بكر الخ، وفي بعضها انه بعث أبا بكر بإمارة الحج ثم بعث عليا بعده بآيات براءة، وفي بعضها: ان أبا بكر امره بالتبليغ وأمر بعض الصحابة ان يشاركه في النداء حتى آل الامر إلى مثل ما رواه الطبري وغيره عن مجاهد في قوله تعالى: (براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين) إلى أهل العهد خزاعة ومدلج ومن كان له عهد وغيرهم. أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك حين فرغ منها فأراد الحج ثم قال: انه يحضر البيت مشركون يطوفون عراة فلا أحب ان أحج حتى لا يكون ذلك فأرسل أبا بكر وعليا فطافا في الناس بذى المجاز وبأمكنتهم التي كانوا يبيعون بها وبالموسم كله فآذنوا أصحاب العهد ان يأمنوا أربعة أشهر وهى الأشهر الحرم المنسلخات المتواليات: عشرون من آخر ذي الحجة إلى عشر تخلو من ربيع الأول (1) ثم عهد لهم وآذن الناس كلهم بالقتال إلى أن يموتوا.
وإذا كان هذا هو الحال فما معنى قوله: (بهتان صريح مخالف لجميع الروايات

(1) كذا.
(١٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 169 170 171 172 173 174 175 176 177 178 179 ... » »»
الفهرست