تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٩ - الصفحة ١٧١
سلائق الاشراف وقد قال (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم فتح مكة عند الكعبة على ما رواه أصحاب السير:
(ألا كل مأثرة أو دم أو مال يدعى فهو تحت قدمي هاتين إلا سدانة البيت وسقاية الحاج).
ثم لو كانت سنة عربية غير مذمومة فهل كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذهل عنها ونسيها حين أسلم الآيات إلى أبى بكر وأرسله، وخرج هو إلى مكة حتى إذا كان في بعض الطريق ذكر (صلى الله عليه وآله وسلم) ما نسيه أو ذكره بعض من عنده بما اهمله وذهل عنه من أمر كان من الواجب مراعاته؟ وهو (صلى الله عليه وآله وسلم) المثل الاعلى في مكارم الأخلاق واعتبار ما يجب ان يعتبر من الحزم وحسن التدبير، وكيف جاز لهؤلاء المذكرين ان يغفلوا عن ذلك وليس من الأمور التي يغفل عنها وتخفى عادة فإنما الذهول عنه كغفلة المقاتل عن سلاحه؟
وهل كان ذلك بوحي من الله إليه أنه يجب له ان لا يلغى هذه السنة العربية الكريمة، وأن ذلك أحد الأحكام الشرعية في الباب وأنه يحرم على ولى أمر المسلمين ان ينقض عهدا إلا بنفسه أو بيد أحد من أهل بيته؟ وما معنى هذا الحكم؟
أو أنه حكم أخلاقي اضطر إلى اعتباره لما أن المشركين ما كانوا يقبلون هذا النقض إلا بأن يسمعوه من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نفسه أو من أحد من أهل بيته؟ وقد كانت السيطرة يومئذ له (صلى الله عليه وآله وسلم) عليهم، والزمام بيده دونهم، والابلاغ إبلاغ.
أو أن المؤمنين المخاطبين بقوله: (عاهدتم) وقوله: (وأذان من الله ورسوله إلى الناس) وقوله: (فاقتلوا المشركين) ما كانوا يعتبرون هذا النقض نقضا دون ان يسمعوه منه صلى الله عليه وآله وسلم أو من واحد من أهل بيته وإن علموا بالنقض إذا سمعوا الآيات من أبى بكر؟
ولو كان كذلك فكيف قبله واعتبره نقضا من سمعه من أبى هريرة الذي كان ينادى به حتى صحل صوته؟ وهل كان أبو هريرة أقرب إلى على وأمس به من أبى بكر إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فالحق أن هذه الروايات الحاكية لنداء أبى هريرة وغيره غير سديدة لا ينبغي الركون إليها.
قال صاحب المنار في تفسيره: جملة الروايات تدل على أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) جعل أبا بكر أميرا على الحج سنة تسع، وأمره ان يبلغ المشركين الذين يحضرون الحج أنهم يمنعون منه بعد ذلك العام ثم أردفه بعلى ليبلغهم عنه نبذ عهودهم المطلقة وإعطاءهم مهلة أربعة أشهر لينظروا في أمرهم، وأن العهود الموقتة أجلها نهاية وقتها، ويتلو عليهم الآيات المتضمنة لمسألة نبذ العهود وما يتعلق بها من أول سورة براءة.
(١٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 166 167 168 169 170 171 172 173 174 175 176 ... » »»
الفهرست