تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٩ - الصفحة ١٦٩
التي دعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ان يأخذ براءة - وفيها نقض ما للمشركين من عهد - من أبى بكر ويسلمها إلى على ليستحفظ بذلك السنة العربية فيؤديها عنه بعض أهل بيته.
قالوا: وهذا معنى قوله صلى الله عليه وآله وسلم لما سأله أبو بكر قائلا: يا رسول الله هل نزل في شئ؟ قال: (لا ولكن لا يؤدى عنى إلا انا أو رجل منى) ومعناه انى إنما عزلتك ونصبت عليا لذلك لئلا انقض هذه السنة العربية الجارية.
ولذلك لم ينفصل أبو بكر من شأنه فقد كان قلده إمارة الحاج وكان لأبي بكر مؤذنون يؤذنون بهذه الأحكام كأبى هريرة وغيره من الرجال الذين لم يذكر أسماؤهم في الروايات، وكان على أحد من عنده لهذا الشأن، ولذا ورد في بعضها: انه خطب بمنى ولما فرغ من خطبته التفت إلى على وقال: قم يا علي وأد رسالة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وهذا ما ذكروه ووجهوا به الروايات.
والباحث الناقد إذا راجع هذه الآيات والروايات ثم تأمل ما جرت من المشاجرات الكلامية بين الفريقين: أهل السنة والشيعة في باب الأفضلية لم يرتب في أنهم خلطوا بين البحث التفسيري الذي شانه تحصيل مداليل الآيات القرآنية، والبحث الروائي الذي شانه نقد معاني الأحاديث وتمييز غثها من سمينها، وبين البحث الكلامي الناظر في أن أبا بكر أفضل من على أو عليا أفضل من أبى بكر؟ وفي أن إمارة الحاج أفضل أو الرسالة في تبليغ آيات براءة؟ ولمن كان إماره الحج إذ ذاك لأبي بكر أو لعلى؟ أما البحث الكلامي فلسنا نشتغل به في هذا المقام فهو خارج عن غرضنا، وأما البحث الروائي أو التفسيري فيما يرتبط به الآيات إلى أسباب نزولها مما يتعلق بمعاني الآيات فالذي ينبغي ان يقال بالنظر إليه انهم أخطأوا في هذا التوجيه.
فليت شعري من أين تسلموا ان هذه الجملة التي نزل بها جبرئيل: (انه لا يؤدى عنك إلا أنت أو رجل منك) مقيدة بنقض العهد لا يدل على أزيد من ذلك، ولا دليل عليه من نقل أو عقل فالجملة ظاهرة أتم ظهور في أن ما كان على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ان يؤديه لا يجوز ان يؤديه إلا هو أو رجل منه سواه، كان نقض عهد من جانب الله كما في مورد براءة أو حكما آخر إلهيا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يؤديه ويبلغه.
وهذا غير ما كان من اقسام الرسالة منه صلى الله عليه وآله وسلم مما ليس عليه ان يؤديه بنفسه
(١٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 164 165 166 167 168 169 170 171 172 173 174 ... » »»
الفهرست