تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٩ - الصفحة ١٧٣
أما قوله: مع استفاضة الاخبار بوجوب تبليغ الدين على المسلمين كافة إلى آخر ما قال فيكشف عن انه لم يحصل معنى كلمة الوحي: (لا يؤدى عنك إلا أنت أو رجل منك) حق التحصيل، ولم يفرق بين قولنا: (لا يؤدى منك إلا رجل منك) وبين قوله: (لا يؤدى عنك إلا أنت أو رجل منك) فزعم أن الكلام بإطلاقه يمنع عن كل تبليغ ديني يتصداه غير النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو رجل منه فدفع ذلك باستفاضة الاخبار بوجوب تبليغ الدين على المسلمين كافة وقيد به إطلاق قوله: (لا يؤدى عنك) الخ فجعله خاصا بتبليغ نبذ العهد بعد تحويل الحكم الإلهي إلى سنة عربية جاهلية.
وقد ساقه اشتباه معنى الكلمة إلى أن زعم أن إبقاء الكلام على إطلاقه منشأه الغفلة عن أمر هو كالضروري عند عامة المسلمين أعني وجوب التبليغ العام حتى استدل على ذلك بما في الصحيحين وغيرهما من قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (فليبلغ الشاهد الغائب)، وقد عرفت ما هو حق المعنى لكلمة الوحي.
وأما قوله: (بل زعم بعضهم كما قيل إنه عزل أبا بكر من إمارة الحج وولاها عليا وهذا بهتان صريح مخالف لجميع الروايات في مسألة عملية عرفها العام والخاص) فليس ذلك زعما من البعض ولا بهتانا كما بهته بل رواية روتها الشيعة وقد أوردناها في ضمن الروايات المتقدمة.
وليس التوغل في مسألة الامارة مما يهمنا في تفهم معنى قوله: (لا يؤدى عنك إلا أنت أو رجل منك) فإمارة الحاج سواء صحت لأبي بكر أو لعلى، دلت على فضل أو لم تدل إنما هي من شعب الولاية الاسلامية العامة التي شأنها التصرف في أمور المجتمع الاسلامي الحيوية، وإجراء الاحكام والشرائع الدينية، ولا حكومة لها على المعارف الإلهية ومواد الوحي النازلة من السماء في أمر الدين.
إنما هي ولاية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينصب يوما أبا بكر أو عليا لامارة الحاج، ويؤمر يوما أسامة على أبى بكر وعامة الصحابة في جيشه، ويولى يوما ابن أم مكتوم على المدينة وفيها من هو أفضل منه، ويولى هذا مكة بعد فتحها، وذاك اليمن، وذلك أمر الصدقات، وقد استعمل صلى الله عليه وآله وسلم ابا دجانة الساعدي أو سباع بن عرفطة الغفاري على ما في سيرة ابن هشام على المدينة عام حجة الوداع، وفيها أبو بكر لم يخرج إلى الحج على ما رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وغيرهم وإنما تدل على إذعانه صلى الله عليه وآله وسلم بصلاحية من نصبه لأمر لتصديه وإدارة رحاه.
(١٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 168 169 170 171 172 173 174 175 176 177 178 ... » »»
الفهرست