تفسير كنز الدقائق - الميرزا محمد المشهدي - ج ١ - الصفحة ٢٢٠
بعض بنيه أو كله، وإفراد اللفظ إما للاستغناء بذكره، كما استغنى بذكر أبي القبيلة في قولهم (مضر - وهاشم) أو على تأويل من يخلقكم فعلى الأول، المراد أنه خليفة الله في أرضه، أو خليقة من سكن الأرض قبله، وعلى الثاني والثالث أنهم يخلفون من قبلهم، أو يخلف بعضهم بعضا.
والاحتياج إلى الخليفة إنما هو في جانب المتخلف عليه، لقصورهم عن قبول فيضه بغير وسط، ولذلك لم يستنبئ ملكا، والأنبياء لما فاقت قريحتهم أرسل إليهم الملائكة، ومن كان منهم أعلى رتبة، كلمه بلا واسطة، كما كلم موسى في الميقات ومحمدا في المعراج.
وفائدة قوله هذا " للملائكة " تعليم للمشاورة وتعظيم لشأن المجعول، بأن بشر بوجوده سكان ملكوته ولقبه بالخليفة قبل خلقه، وإظهار فضله الراجح على ما فيه من المفاسد بسؤالهم وجوابه.
قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء: من استخلاف من يفسد في الأرض لاصلاحها، أو اختيار أهل المعصية على أهل الطاعة، و استكشاف عما خفي عليهم من الحكمة فيه، وعما يزيل شبهتهم استكشاف المتعلم عن معلمه عما يخالج صدره، وليس باعتراض على الله تعالى، ولا طعن في بني آدم على وجه الغيبة.
وإنما حكموا بذلك لما علموا: أن المجعول خليفة هو النوع الأخير من الحيوان، وكانوا يشاهدون من أنواعه المتقدمة عليه وجود آثار القوة الشهوية والغضبية، تنبهوا لوجودهما فيه وحكموا عليه بترتب آثارهما التي من جملتها الافساد وسفك الدماء، أو لما عرفوا ذلك بإخبار من الله، أو تلق من اللوح المحفوظ، أو استنباط عما ثبت في علمهم أن العصمة من خواصهم، أو قياس لاحد الثقلين على الآخر.
والسفك والسبك، والسفح، والشن، والسن: أنواع من الصب، فالسفك يقال في الدم والدمع، والسبك في الجواهر المذابة، والسفح في الصب من أعلى، والشن والسن في الصب عن فم القربة ونحوها.
وقرئ يسفك بضم الفاء، ويسفك ويسفك من أسفك وسفك، ويسفك
(٢٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 215 216 217 218 219 220 221 222 223 224 225 ... » »»
الفهرست