تفسير كنز الدقائق - الميرزا محمد المشهدي - ج ١ - الصفحة ١٦٩
والسماء اسم جنس، أو جمع سماة، والبناء مصدر بمعنى المفعول، أي جعل السماء قبة، أو قبابا مبنية، أي مضروبة عليكم. فإن المبني وإن كان أعم من القبة، ولا دلالة للعام على الخاص، لكنه أشبه بالسماء لاستدارتها، ومنه بنى على امرأته، لأنهم كانوا إذا تزوجوا ضربوا عليها خباء جديدا.
وأنزل من السماء ماء: عطف على (جعل) أي أنزل من جهة العلو، أو من أسباب سماوية تثير الاجزاء الرطبة إلى جو الهواء، فتنعقد سحابا ماطرا، أو من السحاب، فإن ما علاك سماء.
ولفظة (من) لابتداء الغاية، فإن ابتداء نزول المطر إنما هو من السماء بكل واحد من هذه المعاني.
ووضع هنا (أنزل) مكان نزل، للمناسبة مع ما عطف عليه.
فأخرج به من الثمرات رزقا لكم: الباء فيه للسببية، أي جعل الماء سببا في خروج الثمرات ومادة لها، وهو قادر على إيجاد الأشياء كلها بلا أسباب ومواد، كما أبدع نفس الأسباب والمواد، إلا أن له تعالى في إنشاء الأشياء بأسبابها و موادها تدريجا، حكما ليست في إنشائها مبادهة وبغتة.
و (من) فيه تبعيضية، بشهادة قوله تعالى: " فأخرجنا به ثمرات " (1) فإن تنكير ثمرات يدل على البعضية، لتبادرها منه سيما في جموع القلة. وبشهادة أن ما قبله وما بعده، أعني (ماء) و (رزقا) محمولان على البعض، فليكن هو موافقا لهما. وبشهادة الواقع، فإن الله سبحانه لم ينزل من السماء كل الماء بل بعضه، إذ رب ماء بعد في السماء، ولم يخرج بالماء المنزل منها كل الثمرات بل بعضها، فكم من ثمرة هي غير مخرجة، ولم يجعل المخرج كل الرزق، بل بعضه.
والثمرات المخرجة بماء السماء كثيرة، فالتعبير عنها بجمع القلة، إما بناء على أن الثمرات هنا جمع الثمرة التي يراد بها الكثرة - كالثمار - لا الوحدة، كما في قولك:
أدركت ثمرة بستانه، ويؤيده قراءة من قرأ (الثمرة) على التوحيد، فيكون أبلغ ولا

(1) سورة فاطر: الآية 27.
(١٦٩)
مفاتيح البحث: الرزق (1)، سورة فاطر (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 164 165 166 167 168 169 170 171 172 173 174 ... » »»
الفهرست