تفسير كنز الدقائق - الميرزا محمد المشهدي - ج ١ - الصفحة ١٣٠
يجعلوهم مفسدين في جميع الأحوال، فأجابوا بأنهم مقصورون على الاصطلاح لا يتجاوزونه إلى الافساد، فإصلاحهم غير مشوب بإفساد.
وكلمة (إنما) دالة على أن ذلك أمر مكشوف لا ينبغي أن يشك فيه، فإن الشرط فيها أن تدخل على حكم يكون بينا في نفس الامر، أو بحسب الادعاء. وإنما قالوا ذلك: لأنهم ممن زين له سوء عمله فرآه حسنا.
وروي عن العالم موسى (عليه السلام) في تفسير الآية: إذا قيل لهؤلاء الناكثين للبيعة في يوم الغدير: لا تفسدوا في الأرض باظهار نكث البيعة لعباد الله المستضعفين، فتشوشون عليهم دينهم وتحيرونهم في مذاهبهم، قالوا: إنما نحن مصلحون، لأنا لا نعتقد دين محمد ولا غير دين محمد، ونحن في الدين متحيرون، فنحن نرضي في الظاهر محمدا بإظهار قبول دينه وشريعته، ونقضي في الباطن إلى شهوتنا، فنتمتع ونترفه ونعتق أنفسنا من رق محمد، ونكفها من طاعة ابن عمه علي، لكي إن أديل في الدنيا كنا قد توجهنا عنده، وإن اضمحل أمره لنا سلمنا من سببي أعدائه (1).
ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون: (ألا) و (إنما) مركبتان من همزة الاستفهام وحرف النفي. لا عطاء معنى التنبيه على تحقق ما بعدها، فإن الاستفهام إذا كان للانكار ودخل على النفي أفاد تخفيفا، لان نفي النفي إثبات وتحقيق، كقوله: " أليس ذلك بقادر " (2).
والأكثرون على أنهما حرفان موضوعان لذلك المعنى لا تركيب فيهما، ويدخلان على الجملتين. ويشاركهما في الدلالة على معنى التنبيه " الهاء " لكنها تختص بالدخول على أسماء الإشارة والضمائر غالبا.
ولما بالغ المنافقون في إظهار الاصلاح، بولغ في إفسادهم من جهات متعددة:

(١) تفسير الإمام العسكري (عليه السلام): ص ٥٦، في تفسير الآية ١٢ من سورة البقرة، وتفسير البرهان: ج ١، ص 61، مع اختلاف يسير في العبارة.
(2) سورة القيامة: الآية 40.
(١٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 125 126 127 128 129 130 131 132 133 134 135 ... » »»
الفهرست