الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ١١٣
قال نعم وإنكم إذا لمن المقربين. قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون. فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون. فألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون. فألقى السحرة ساجدين. قالوا آمنا برب العالمين. رب موسى وهرون. قال أأمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلسوف تعلمون. لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم أجمعين. قالوا لا ضير إنا إلى ربنا منقلبون. إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا أن كنا أول المؤمنين * وأوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي إنكم متبعون. فأرسل فرعون في المدائن حاشرين.
____________________
حتى يقسم برأس سلطانه، فإذا أقسم به فتلك عندهم جهد اليمين التي ليس وراءها حلف لحالف (ما يأفكون) ما يقلبونه عن وجهه وحقيقته بسحرهم وكيدهم ويزورونه فيخيلون في حبالهم وعصيهم أنها حياة تسعى بالتمويه على الناظرين أو إفكهم، سمى تلك الأشياء إفكا مبالغة. روى أنهم قالوا: إن يك ما جاء به موسى سحرا فلن يغلب، وإن كان من عند الله فلن يخفى علينا، فلما قذف عصاه فتلقف ما أتوا به علموا أنه من الله فآمنوا. وعن عكرمة رضي الله عنه: أصبحوا سحرة وأمسوا شهداء، وإنما عبر عن الخرور بالإلقاء لأنه ذكر مع الإلقاءات فسلك به طريق المشاكلة، وفيه أيضا مع مراعاة المشاكلة أنهم حين رأوا ما رأوا لم يتمالكوا أن رموا بأنفسهم إلى الأرض ساجدين كأنهم أخذوا فطرحوا طرحا. فإن قلت: فاعل الإلقاء ما هو لو صرح به. قلت: هو الله عز وجل بما خولهم من التوفيق أو إيمانهم أو ما عاينوا من المعجزة الباهرة، ولك أن لا تقدر فاعلا لأن ألقوا بمعنى خروا وسقطوا (رب موسى وهرون) عطف بيان لرب العالمين لأن فرعون لعنه الله كان يدعى الربوبية فأرادوا أن يعزلوه، ومعنى إضافته إليهما في ذلك المقام أنه الذي يدعو إليه هذان والذي أجرى على أيديهما ما أجرى (فلسوف تعلمون) أي وبال ما فعلتم. الضر والضير والضور واحد، أرادوا لا ضرار علينا في ذلك بل لنا فيه أعظم النفع لما يحصل لنا في الصبر عليه لوجه الله من تكفير الخطايا والثواب العظيم مع الأعواض الكثيرة، أو لا ضير علينا فيما تتوعدنا به من القتل إنه لا بد لنا من الانقلاب إلى ربنا بسبب من أسباب الموت والقتل أهون أسبابه وأرجاها، أو لا ضير علينا في قتلك إنك إن قتلتنا انقلبنا إلى ربنا انقلاب من يطمع في مغفرته ويرجو رحمته لما رزقنا من السبق إلى الإيمان، وخبر لا محذوف، والمعنى: لا ضير في ذلك أو علينا (أن كنا) معناه لأن كنا، وكانوا أول جماعة مؤمنين من أهل زمانهم أو من رعية فرعون أو من أهل المشهد. وقرئ إن كنا بالكسر وهو من الشرط الذي يجئ به المدل بأمره المتحقق لصحته وهم كانوا متحققين أنهم أول المؤمنين. ونظيره قول العامل لمن يؤخر جعله: إن كنت عملت لك فوفني حقي، ومنه قوله تعالى - إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي - مع علمه أنهم لم يخرجوا إلا لذلك. قرئ أسر بقطع الهمزة ووصلها وسر (إنكم متبعون) علل الأمر بالإسراء باتباع فرعون
(١١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 108 109 110 111 112 113 114 115 116 117 118 ... » »»