الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ١١٢
قالوا أرجئه وأخاه وابعث في المدائن حاشرين. يأتوك بكل سحار عليم. فجمع السحرة لميقات يوم معلوم. وقيل للناس هل أنتم مجتمعون. لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين. فلما جاء السحرة قالو لفرعون أئن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين.
____________________
المصدر وإما لأنه مفعول به من قوله: أمرتك الخير. قرئ أرجئه وأرجه بالهمز والتخفيف وهما لغتان، يقال أرجأته وأرجيته إذا أخرته، ومنه المرجئة وهم الذين لا يقطعون بوعيد الفساق ويقولون هم مرجأون لأمر الله، والمعنى: أخره ومناظرته لوقت اجتماع السحرة، وقيل احبسه (حاشرين) شرطا. يحشرون السحرة، وعارضوا قوله - إن هذا لساحر - بقولهم بكل سحار، فجاءوا بكلمة الإحاطة وصفة المبالغة ليطامنوا من نفسه ويسكنوا بعض قلقه، وقرأ الأعمش بكل ساحر. اليوم المعلوم: يوم الزينة، وميقاته وقت الضحى لأنه الوقت الذي وقته لهم موسى صلوات الله عليه من يوم الزينة في قوله - موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى - والميقات ما وقت به:
أي حدد من زمان أو مكان ومنه مواقيت الإحرام (هل أنتم مجتمعون) استبطاء لهم في الاجتماع، والمراد منه استعجالهم واستحثاثهم كما يقول الرجل لغلامه: هل أنت منطلق؟ إذا أراد أن يحرك منه ويحثه على الانطلاق كأنما يخيل له أن الناس قد انطلقوا وهو واقف، ومنه قول تأبط شرا:
هل أنت باعث دينار لحاجتنا * أو عبد رب أخا عون بن مخراق يريد ابعثه إلينا سريعا ولا تبطئ به (لعلنا نتبع السحرة) أي في دينهم إن غلبوا موسى ولا نتبع موسى في دينه وليس غرضهم باتباع السحرة وإنما الغرض الكلى أن لا يتبعوا موسى فساقوا الكلام مساق الكناية لأنهم إذا اتبعوهم لم يكونوا متبعين لموسى عليه السلام. وقرئ نعم بالكسر وهما لغتان، ولما كان قوله (إن لنا لأجرا) في معنى جزاء الشرط لدلالته عليه وكان قوله (وإنكم إذا لمن المقربين) معطوفا عليه ومدخلا في حكمه دخلت إذا قارة في مكانها الذي تقتضيه من الجواب والجزاء، وعدهم أن يجمع لهم إلى الثواب على سحرهم الذي قدروا أنهم يغلبون به موسى القربة عنده والزلفى. أقسموا بعزة فرعون وهى من أيمان الجاهلية، وهكذا كل حلف بغير الله، ولا يصح في الإسلام إلا الحلف بالله معلقا ببعض أسمائه أو صفاته كقولك بالله والرحمن وربى ورب العرش وعزة الله وقدرة الله وجلال الله وعظمة الله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا بالطواغيت، ولا تحلفوا إلا بالله، ولا تحلفوا بالله إلا وأنتم صادقون " ولقد استحدث الناس في هذا الباب في إسلامهم جاهلية نسبت لها الجاهلية الأولى، وذلك أن الواحد منهم لو أقسم بأسماء الله كلها وصفاته على شئ لم يقبل منه ولم يعتد بها
(١١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 107 108 109 110 111 112 113 114 115 116 117 ... » »»