الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ١١٧
إلا رب العالمين. الذي خلقني فهو يهدين. والذي هو يطعمني ويسقين. وإذا مرضت فهو يشفين.
____________________
ومنه قوله تعالى - وهم لكم عدو - شبها بالمصادر للموازنة كالقبول والولوع والحنين والصهيل (إلا رب العالمين) استثناء منقطع كأنه قال: ولكن رب العالمين (فهو يهدين) يريد أنه حين أتم خلقه ونفخ فيه الروح عقب ذلك هدايته المتصلة التي لا تنقطع إلى كل ما يصلحه ويعينه، وإلا فمن هداه إلى أن يغتذى بالدم في البطن امتصاصا، ومن هداه إلى معرفة الثدي عند الولادة وإلى معرفة مكانه، ومن هداه لكيفية الارتضاع إلى غير ذلك من هدايات المعاش والمعاد. وإنما قال (مرضت) دون أمرضني، لأن كثيرا من أسباب المرض يحدث بتفريط من الإنسان في مطاعمه ومشاربه وغير ذلك، ومن ثم قالت الحكماء: لو قيل لأكثر الموتى ما سبب آجالكم لقالوا التخم.
وقرئ خطاياي والمراد ما يندر منه من بعض الصغائر لأن الأنبياء معصومون مختارون على العالمين. وقيل هي قوله - إني سقيم - وقوله - بل فعله كبيرهم - وقوله - لسارة هي أختي - وما هي إلا معاريض كلام وتخييلات للكفرة وليست بخطايا يطلب لها الاستغفار. فإن قلت: إذا لم يندر منهم إلا الصغائر وهى تقع مكفرة فما له أثبت لنفسه خطيئة أو خطايا وطمع أن تغفر له؟ قلت: الجواب ما سبق لي أن استغفار الأنبياء تواضع منهم لربهم وهضم لأنفسهم، ويدل عليه قوله أطمع ولم يجزم القول بالمغفرة، وفيه تعليم لأممهم وليكون لطفا لهم في اجتناب المعاصي والحذر منها وطلب المغفرة مما يفرط منهم. فإن قلت: لم علق مغفرة الخطيئة بيوم الدين وإنما تفغر في الدنيا؟ قلت:
لأن أثرها يتبين يومئذ وهو الآن خفى لا يعلم. الحكم: الحكمة أو الحكم بين الناس بالحق، وقيل النبوة لأن النبي ذو حكمة وذو حكم بين عباد الله. والإلحاق بالصالحين أن يوفقه لعمل ينتظم به في جملتهم أو يجمع بينه وبينهم في الجنة، ولقد أجابه حيث قال - وإنه في الآخرة لمن الصالحين - والإخزاء من الخزي وهو الهوان ومن الخزاية وهى
(١١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 112 113 114 115 116 117 118 119 120 121 122 ... » »»