الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ١١٥
كذلك وأورثناها بني إسرائيل. فأتبعوهم مشرقين. فلما تراء الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون. قال كلا إن معي ربى سيهدين. فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم. وأزلفنا ثم الآخرين.
وأنجينا موسى ومن معه أجمعين. ثم أغرقنا الآخرين. إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين.
____________________
سماها كنوزا لأنهم لم ينفقوا منها في طاعة الله. والمقام: المكان، يريد المنازل الحسنة والمجالس البهية. وعن الضحاك: المنابر، وقيل السرر في الحجال (كذلك) يحتمل ثلاثة أوجه: النصب على أخرجناهم مثل ذلك الإخراج الذي وصفناه والجر على أنه وصف لمقام: أي مقام كريم مثل ذلك المقام الذي كان لهم، والرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف: أي الأمر كذلك (فأتبعوهم) فلحقوهم، وقرئ فاتبعوهم (مشرقين) داخلين في وقت الشروق من شرقت الشمس شروقا إذا طلعت (سيهدين) طريق النجاة من إدراكهم وإضرارهم. وقرئ: فلما تراءت الفئتان إنا لمدركون، بتشديد الدال وكسر الراء من أدرك الشئ إذا تتابع ففنى، ومنه قوله تعالى - بل أدرك علمهم في الآخرة - قال الحسن جهلوا علم الآخرة، وفى معناه بيت الحماسة:
أبعد بنى أمي الذين تتابعوا * أرجى الحياة أم من الموت أجزع والمعنى: إنا لمتتابعون في الهلاك على أيديهم حتى لا يبقى منا أحد. الفرق: الجزء المتفرق منه. وقرئ كل فلق والمعنى واحد. والطود: الجبل العظيم المنطاد في السماء (وأزلفنا ثم) حيث انفلق البحر (الآخرين) قوم فرعون أي قربناهم من بني إسرائيل، أو أدنينا بعضهم من بعض وجمعناهم حتى لا ينجو منهم أحد، أو قدمناهم إلى البحر.
وقرئ وأزلقنا بالقاف: أي أزللنا أقدامهم. والمعنى: أذهبنا عزهم كقوله:
تداركتما عبسا وقد ثل عرشها * وذبيان إذ زلت بأقدامها النعل ويحتمل أن يجعل الله طريقهم في البحر على خلاف ما جعله لبني إسرائيل يبسا فيزلقهم فيه: عن عطاء بن السائب أن جبريل عليه السلام كان بين بني إسرائيل وبين آل فرعون، فكان يقول لبني إسرائيل: ليلحق آخركم بأولكم، ويستقبل القبط فيقول: رويدكم يلحق آخركم، فلما انتهى موسى إلى البحر قال له مؤمن آل فرعون وكان بين يدي موسى: أين أمرت فهذا البحر أمامك وقد غشيك آل فرعون؟ قال: أمرت بالبحر ولا يدرى موسى ما يصنع، فأوحى الله تعالى إليه أن اضرب بعصاك البحر فضربه فصار فيه اثنا عشر طريقا لكل سبط طريق.
وروى أن يوشع قال: يا كليم الله أين أمرت فقد غشينا فرعون والبحر أمامنا؟ قال موسى: ههنا، فخاض يوشع الماء وضرب موسى بعصاه البحر فدخلوا. وروى أن موسى قال عند ذلك: يا من كان قبل كل شئ والمكون لكل شئ والكائن بعد كل شئ. ويقال هذا البحر هو بحر القلزم، وقيل هو بحر من وراء مصر يقال له إساف (إن في ذلك لآية) أية آية وآية لا توصف وقد عاينها الناس وشاع أمرها فيهم. وما تنبه عليها أكثرهم ولا
(١١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 110 111 112 113 114 115 116 117 118 119 120 ... » »»