الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ١١٠
قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون. قال رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون. قال لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين. قال أولو جئتك بشئ مبين. قال فأت به إن كنت من الصادقين.
____________________
الإيقان؟ قلت: معناه إن كان يرجى منكم الإيقان الذي يؤدى إليه النظر الصحيح نفعكم هذا الجواب وإلا لم ينفع، أو إن كنتم موقنين بشئ قط فهذا أولى ما توقنون به لظهوره وإنارة دليله. فإن قلت: ومن كان حوله؟
قلت: أشراف قومه، قيل كانوا خمسمائة رجل عليهم الأساور وكانت للملوك خاصة. فإن قلت: ذكر السماوات والأرض وما بينهما قد استوعب به الخلائق كلها، فما معنى ذكرهم وذكر آبائهم بعد ذلك وذكر المشرق والمغرب قلت: قد عمم أولا ثم خصص من العام للبيان أنفسهم وآباءهم لأن أقرب المنظور فيه من العاقل نفسه ومن ولد منه وما شاهد وعاين من الدلائل على الصانع والناقل من هيئة إلى هيئة وحال إلى حال من وقت ميلاده إلى وقت وفاته.
ثم خصص المشرق والمغرب لأن طلوع الشمس من أحد الخافقين وغروبها في الآخر على تقدير مستقيم في فصول السنة وحساب مستو من أظهر ما استدل به ولظهوره انتقل إلى الاحتجاج به خليل الله عن الاحتجاج بالإحياء والإماتة على نمروذ بن كنعان - فبهت الذي كفر - وقرى رب المشارق والمغارب. الذي أرسل إليكم بفتح الهمزة.
فإن قلت: كيف قال أولا - إن كنتم موقنين - وآخرا - إن كنتم تعقلون -؟ قلت: لاين أولا فلما رأى منهم شدة الشكيمة في العناد وقلة الإصغاء إلى عرض الحجج خاشن وعارض إن رسولكم لمجنون بقوله - إن كنتم تعقلون - فإن قلت: ألم يكن لأسجننك أخصر من لأجعلنك من المسجونين ومؤديا مؤداه؟ قلت: أما أخصر فنعم، وأما مؤد مؤداه فلا لأن معناه: لأجعلنك واحدا مما عرفت حالهم في سجوني، وكان من عادته أن يأخذ من يريد سجنه فيطرحه في هوة ذاهبة في الأرض بعيدة العمق فردا لا يبصر فيها ولا يسمع، فكان ذلك أشد من القتل وأشد. الواو في قوله (أو لو جئتك) واو الحال دخلت عليها همزة الاستفهام معناه: أتفعل بي ذلك ولو جئتك بشئ مبين:
أي جائيا بالمعجزة، وفى قوله (إن كنت من الصادقين) أنه لا يأتي بالمعجزة إلا الصادق في دعواه لأن المعجزة تصديق
(١١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 105 106 107 108 109 110 111 112 113 114 115 ... » »»