الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ١٠٧
ولهم على ذنب فأخاف أن يقتلون. قال كلا فاذهبا بآياتنا إنا معكم مستمعون.
فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين.
____________________
تعالى - فقلنا اذهبا إلى القوم الذين كذبوا بآياتنا فدمرناهم تدميرا - حيث اقتصر على ذكر طرفي القصة أولها وآخرها وهما الإنذار والتدمير، ودل بذكرهما على ما هو الغرض من القصة الطويلة كلها، وهو أنهم قوم كذبوا بآيات الله فأراد الله إلزام الحجة عليهم فبعث إليهم رسولين فكذبوهما فأهلكهم. فإن قلت: كيف ساغ لموسى عليه السلام أن يأمره الله بأمر فلا يتقبله بسمع وطاعة من غير توقف وتشبث بعلل وقد علم أن الله من ورائه؟ قلت: قد امتثل وتقبل ولكنه التمس من ربه أن يعضده بأخيه حتى يتعاونا على تنفيذ أمره وتبليغ رسالته، فمهد قبل التماسه عذره فيما التمسه، ثم التمس بعد ذلك، وتمهيد العذر في التماس المعين على تنفيذ الأمر ليس بتوقف في امتثال الأمر ولا بتعلل فيه، وكفى بطلب العون دليلا على التقبل لا على التعليل. أراد بالذنب قتله القبطي. وقيل كان خباز فرعون واسمه فاتون: يعنى ولهم على تبعة ذنب وهى قود ذلك القتل فأخاف أن يقتلوني به، فحذف المضاف، أو سمى تبعة الذنب ذنبا كما سمى جزاء السيئة سيئة. فإن قلت: قد أبيت أن تكون تلك الثلاث عللا وجعلتها تمهيدا للعذر فيما التمسه فما قولك في هذه الرابعة؟ قلت: هذه استدفاع للبلية المتوقعة، وفرق من أن يقتل قبل أداء الرسالة فكيف يكون تعللا، والدليل عليه ما جاء بعده من كلمة الردع والموعد بالكلاءة والدفع. جمع الله له الاستجابتين معا في قوله (كلا فاذهبا) لأنه استدفعه بلاءهم فوعده الدفع بردعه عن الخوف، والتمس منه الموازرة بأخيه فأجابه بقوله اذهبا، أي اذهب أنت والذي طلبته وهو هارون، فإن قلت: علام عطف قوله فاذهبا؟ قلت: على الفعل الذي يدل عليه كلا، كأنه قيل: ارتدع يا موسى عما تظن فاذهب أنت وهرون، وقوله (معكم مستمعون) من مجاز الكلام يريد: أنا لكما ولعدو كما كالناصر الظهير لكما عليه إذا حضر واستمع ما يجرى بينكما وبينه فأظهر كما وغلبكما وكسر شوكته عنكما ونكسه. ويجوز أن يكونا خبرين لإن، أو يكون مستمعون مستقرا ومعكم لغوا.
فإن قلت: لم جعلت مستمعون قرينة معكم في كونه من باب المجاز والله تعالى يوصف على الحقيقة بأنه سميع وسامع؟
قلت: ولكن لا يوصف بالمستمع على الحقيقة لأن الاستماع جار مجرى الإصغاء، والاستماع من السمع بمنزلة النظر من الرؤية ومنه قوله تعالى - قل أوحى إلى أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا - ويقال استمع إلى حديثه وسمع حديثه: أي أصغى إليه وأدركه بحاسة السمع، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم " من استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون صب في أذنيه البرم " فإن قلت: هلا ثنى الرسول كما ثنى في قوله - إنا رسولا ربك -؟
قلت: الرسول يكون بمعنى المرسل وبمعنى الرسالة، فجعل ثم بمعنى المرسل فلم يكن بد من تثنيته، وجعل ههنا بمعنى الرسالة فجازت التسوية فيه، إذ وصف به بين الواحد والتثنية والجمع كما يفعل بالصفة بالمصادر نحو صوم وزور، قال ألكني إليها وخير الرسول * أعلمهم بنواحي الخبر فجعله للجماعة والشاهد في الرسول بمعنى الرسالة قوله:
لقد كذب الواشون ما فهت عندهم * بسر ولا أرسلتهم برسول
(١٠٧)
مفاتيح البحث: القتل (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 102 103 104 105 106 107 108 109 110 111 112 ... » »»