الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ١٠٢
والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا. والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذريتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما.
____________________
وصفحوا. وقيل إذا ذكروا النكاح كنوا عنه (لم يخروا عليها) ليس بنفي للخرور وإنما هو إثبات له ونفى للصمم والعمى كما تقول لا يلقاني زيد مسلما هو نفى للسلام لا للقاء، والمعنى: أنهم إذا ذكروا بها أكبوا عليها حرصا على استماعها وأقبلوا على المذكر بها، وهم في إكبابهم عليها سامعون بآفان واعية مبصرون بعيون راعية، لا كالذين يذكرون بها فتراهم مكبين عليها مقبلين على من يذكر بها مظهرين الحرص الشديد على استماعها وهم كالصم العميان حيث لا يعونها ولا يتبصرون ما فيها كالمنافقين وأشباههم. قرئ ذريتنا وذرياتنا وقرة أعين وقرات أعين. سألوا ربهم أن يرزقهم أزواجا وأعقابا عما لا لله يسرون بمكانهم وتقربهم عيونهم. وعن محمد بن كعب: ليس شئ أقر لعين المؤمن من أن يرى زوجته وأولاده مطيعين لله. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: هو الولد إذا رآه يكتب الفقه. وقيل سألوا أن يلحق الله بهم أزواجهم وذريتهم في الجنة ليتم لهم سرورهم. أراد أئمة فاكتفى بالواحد لدلالته على الجنس ولعدم اللبس كقوله تعالى - ثم يخرجكم طفلا - أو أرادوا جعل كل واحد منا إماما، أو أراد جمع آم كصائم وصيام، أو أراد واجعلنا إماما واحدا لاتحادنا واتفاق كلمتنا. وعن بعضهم: في الآية ما يدل على أن الرياسة في الدين يجب أن تطلب ويرغب فيها. وقيل نزلت هذه الآية في العشرة المبشرين بالجنة. فإن قلت: من في قوله - من أزواجنا - ما هي؟ قلت: يحتمل أن تكون بيانية كأنه قيل هب لنا قرة أعين، ثم بينت القرة وفسرت بقوله - من أزواجنا وذرياتنا - ومعناه: أن يجعلهم الله لهم قرة أعين وهو من قولهم رأيت منك أسدا: أي أنت أسد، وأن تكون ابتدائية على معنى هب لنا من جهتهم ما تقر به عيوننا من طاعة صلاح. فإن قلت: لم قال قرة أعين فتنكر وقلل؟ قلت: أما التنكير فلأجل تنكير القرة لأن المضاف لا سبيل إلى تنكيره إلا بتنكير المضاف إليه كأنه قيل: هب لنا منهم سرورا وفرحا وإنما قيل أعين دون عيون لأنه أراد أعين المتقين وهى قليلة بالإضافة إلى عيون غيرهم، قال الله تعالى - وقليل من عبادي الشكور - ويجوز أن يقال في تنكير أعين إنها أعين خاصة وهى أعين المتقين. المراد يجزون الغرفات وهى العلالي في الجنة، فوحد اقتصارا على الواحد على الجنس، والدليل على ذلك قوله - وهم في الغرفات آمنون - وقراءة من قرأ في الغرفة (بما صبروا) بصبرهم على الطاعات وعن الشهوات وعلى أذى الكفار ومجاهدتهم وعلى الفقر وغير ذلك، وإطلاقه لأجل الشياع في كل مصبور عليه. وقرئ يلقون كقوله تعالى - ولقاهم نضرة وسرورا - ويلقون كقوله تعالى - يلق أثاما - والتحية دعاء بالتعمير، والسلام دعاء بالسلامة: يعنى أن الملائكة يحيونهم ويسلمون عليهم أو يحيى بعضهم بعضا ويسلم عليه، أو يعطون التبقية والتخليد
(١٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 97 98 99 100 101 102 103 104 105 106 107 ... » »»