الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٩٧
وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا. ويعبدون من دون الله ما لا ينفعهم ولا يضرهم وكان الكافر على ربه ظهيرا. وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا. قل ما أسألكم عليه من أجر إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا. وتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده وكفى به بذنوب عباده خبيرا. الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام.
____________________
البلاغة أراد فقسم البشر قسمين: ذوي نسب أي ذكورا ينسب إليهم فيقال فلان بن فلان وفلانة بنت فلان، وذوات صهر: أي إناثا يصاهر بهن ونحوه قوله تعالى - فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى - (وكان ربك قديرا) حيث خلق من النطفة الواحدة بشرا نوعين ذكرا وأنثى. الظهير والمظاهر كالعوين والمعاون وفعيل بمعنى مفاعل غير عزيز، والمعنى أن الكافر يظاهر الشيطان على ربه بالعداوة والشرك. روى أنها نزلت في أبى جهل. ويجوز أن يريد بالظهير الجماعة كقوله - والملائكة بعد ذلك ظهير - كما جاء الصديق والخليط، ويريد بالكافر الجنس وأن بعضهم مظاهر لبعض على إطفاء نور دين الله. وقيل معناه: وكان الذي يفعل هذا الفعل وهو عبادة ما لا ينفع ولا يضر على ربه هينا مهينا من قولهم ظهرت به إذا خلفته خلف ظهرك لا تلتفت إليه، وهذا نحو قوله - أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم - مثال (إلا من شاء) والمراد إلا فعل من شاء، واستثنائه عن الأجر قول ذي شفقة عليك قد سعى لك في تحصيل مال ما أطلب منك ثوابا على ما سعيت إلا أن تحفظ هذا المال ولا تضيعه، فليس حفظك المال لنفسك من جنس الثواب، ولكن صوره هو بصورة الثواب وسماه باسمه، فأفاد فائدتين: إحداهما قلع شبهة الطمع في الثواب من أصله كأنه يقول لك إن كان حفظك لمالك ثوابا فإني أطلب الثواب، والثانية إظهار الشفقة البالغة وأنك إن حفظت مالك اعتد بحفظك ثوابا ورضى به كما يرضى المثاب بالثواب، ولعمرى إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مع المبعوث إليهم بهذا الصدد وفوقه. ومعنى اتخاذهم إلى الله سبيلا تقربهم إليه وطلبهم عنده الزلفى بالإيمان والطاعة. وقيل المراد التقرب بالصدقة والنفقة في سبيل الله. أمره بأن يثق به ويسند أمره إليه، في استكفاء شرورهم مع التمسك بقاعدة التوكل وأساس الالتجاء وهو طاعته وعبادته وتنزيهه وتحميده، وعرفه ان الحي الذي لا يموت حقيق بأن يتوكل عليه وحده ولا يتكل على غيره من الأحياء الذين يموتون. وعن بعض السلف أنه قرأها فقال: لا يصح لذي عقل أن يثق بعدها بمخلوق، ثم أراه أن ليس إليه من أمر عباده شئ آمنوا أم كفروا، وأنه خبير بأحوالهم كاف في جزاء أعمالهم (في ستة أيام) يعنى في مدة مقدارها هذه المدة لأنه لم يكن حينئذ نهى ولا ليل، وقيل ستة أيام من أيام الآخرة وكل يوم ألف سنة والظاهر أنها من أيام الدنيا. وعن مجاهد أولها يوم الأحد وآخرها يوم الجمعة، ووجهه أن يسمى الله لملائكته تلك الأيام المقدرة بهذه الأسماء، فلما خلق الشمس وأدارها وترتب أمر العالم على ما هو عليه جرت التسمية على هذه الأيام، وأما الداعي إلى هذا العدد: أعني الستة دون سائر الأعداد فلا نشك أنه ادعى حكمة لعلمنا أنه لا يقدر تقديرا إلا بداعي حكمة وإن كنا لا نطلع عليه ولا نهتدى إلى معرفته، ومن ذلك تقدير الملائكة الذين هم أصحاب النار تسعة عشر، وحملة
(٩٧)
مفاتيح البحث: الموت (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 92 93 94 95 96 97 98 99 100 101 102 ... » »»