الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ١١١
فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين. ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين. قال للملاء حوله إن هذا لساحر عليم. يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره فماذا تأمرون.
____________________
من الله لمدعى النبوة والحكيم لا يصدق الكاذب، ومن العجب أن مثل فرعون لم يخف عليه هذا وخفى على ناس من أهل القبلة حيث جوزوا القبيح على الله تعالى حتى لزمهم تصديق الكاذبين بالمعجزات، وتقديره: إن كنت من الصادقين في دعواك أتيت به، فحذف الجزاء لأن الأمر بالإتيان به يدل عليه (ثعبان مبين) ظاهر الثعبانية لا شئ يشبه الثعبان كما تكون الأشياء المزورة بالشعوذة والسحر وروى أنها انقلبت حية ارتفعت في السماء قدر ميل ثم انحطت مقبلة إلى فرعون وجعلت تقول: يا موسى مرني بما شئت، ويقول فرعون: أسألك بالذي أرسلك إلا أخذتها فأخذها فعادت عصا (للناظرين) دليل على أن بياضها كان شيئا يجتمع النظارة على النظر إليه لخروجه عن العادة وكان بياضا نوريا. روى أن فرعون لما أبصر الآية الأولى قال فهل غيرها؟ فأخرج يده، فقال له: ما هذه؟ قال:
يدك فما فيها؟ فأدخلها في إبطه ثم نزعها ولها شعاع يكاد يغشى الأبصار ويسد الأفق. فإن قلت: ما العامل في حوله؟ قلت: هو منصوب نصبين نصب في اللفظ ونصب في المحل، فالعامل في النصب اللفظي ما يقدر في الظرف، والعامل في النصب المحلى وهو النصب على الحال. قال: ولقد تحير فرعون لما أبصر الآيتين وبقى لا يدرى أي طرفيه أطول حتى ذل عنه ذكر دعوى الإلهية وحط عن منكبيه كبرياء الربوبية وارتعدت فرائصه وانتفخ سحره خوفا وفرقا وبلغت به الاستكانة لقومه الذين هم بزعمه عبيده وهو إلههم أن طفق يؤامرهم ويعترف لهم بما حذر منه وتوقعه وأحس به من جهة موسى عليه السلام وغلبته على ملكه وأرضه، وقوله (إن هذا لساحر عليم) قول باهت إذا غلب، ومتمحل إذا ألزم (تأمرون) من المؤامرة وهى المشاورة، أو من الأمر الذي هو ضد النهى، جعل العبيد آمرين وربهم مأمورا لما استولى عليه من فرط الدهش والحيرة. وماذا منصوب إما لكونه في معنى
(١١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 106 107 108 109 110 111 112 113 114 115 116 ... » »»