الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ١١٨
والذي يميتني ثم يحيين. والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين. رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين. واجعل لي لسان صدق في الآخرين. واجعلني من ورثة جنة النعيم. واغفر لأبى إنه كان من الضالين. ولا تخزني يوم يبعثون.
يوم لا ينفع مال ولا بنون. إلا من أتى الله بقلب سليم. وأزلفت الجنة للمتقين.
وبرزت الجحيم للغاوين. وقيل لهم أين ما كنتم تعبدون.
____________________
الحياء، وهذا أيضا من نحو استغفارهم مما علموا أنه مغفور، وفى (يبعثون) ضمير العباد لأنه معلوم أو ضمير الضالين وأن يجعل من جملة الاستغفار لأبيه: يعنى ولا تخزني يوم يبعث الضالون وأبى فيهم (إلا من أتى الله) إلا حال من أتى الله (بقلب سليم) وهو من قولهم * تحية بينهم ضرب وجيع * وما ثوابه إلا السيف، وبيانه أن يقال لك: هل لزيد مال وبنون؟ فتقول: ماله وبنوه سلامة قلبه. تريد نفى المال والبنين عنه وإثبات سلامة القلب لا بدلا عن ذلك. وإن شئت حملت الكلام على المعنى وجعلت المال والبنين في معنى الغنى، كأنه قيل: يوم لا ينفع غنى إلا غنى من أتى الله بقلب سليم، لأن غنى الرجل في دينه بسلامة قلبه، كما أن غناه في دنياه بماله وبنيه ولك أن تجعل الاستثناء منقطعا ولا بد لك مع ذلك من تقدير المضاف وهو الحال والمراد بها سلامة القلب، وليست هي من جنس المال والبنين حتى يئول المعنى إلى أن المال والبنين لا ينفعان وإنما ينفع سلامة القلب، ولو لم يقدر المضاف لم يتحصل للاستثناء معنى، وقد جعل من مفعولا لينفع: أي لا ينفع مال ولا بنون إلا رجل سلم قلبه مع ماله حيث أنفقه في طاعة الله، ومع بنيه حيث أرشدهم إلى الدين وعلمهم الشرائع. ويجوز على هذا إلا من أتى الله بقلب سليم من فتنة المال والبنين، ومعنى سلامة القلب: سلامته من آفات الكفر والمعاصي ومما أكرم الله تعالى به خليله ونبه على جلالة محله في الإخلاص أن حكى استثناءه هذا حكاية راض بإصابته فيه ثم جعله صفة له في قوله - وإن من شيعته لإبراهيم إذ جاء ربه بقلب سليم - ومن بدع التفاسير تفسير بعضهم السليم باللديغ من خشية الله، وقول آخر: هو الذي سلم وسلم وأسلم وسالم واستسلم. وما أحسن ما رتب إبراهيم عليه السلام كلامه مع المشركين حين سألهم أولا عما يعبدون سؤال مقرر لا مستفهم، ثم أنحى على آلهتهم فأبطل أمرها بأنها لا تضر ولا تنفع ولا تبصر ولا تسمع، وعلى تقليدهم آباءهم الأقدمين فكسره وأخرجه من أن يكون شبهة فضلا أن يكون حجة، ثم صور المسألة في نفسه دونهم حتى تخلص منها إلى ذكر الله عز وعلا فعظم شأنه وعدد نعمته من لدن خلقه وإنشائه إلى حين وفاته مع ما يرجى في الآخرة من رحمته، ثم أتبع ذلك أن دعاه بدعوا المخلصين وابتهل إليه ابتهال الأوابين، ثم وصله بذكر يوم القيامة وثواب الله وعقابه وما يدفع إليه المشركون يومئذ من الندم والحسرة على ما كانوا فيه من الضلال وتمنى الكرة إلى الدنيا ليؤمنوا ويطيعوا. الجنة تكون قريبة من موقف السعداء ينظرون إليها ويغتبطون بأنهم المحشورون إليها والنار تكون بارزة مكشوفة للأشقياء بمرأى منهم يتحسرون على أنهم المسوقون إليها، قال الله تعالى - وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد - وقال - فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا - يجمع عليهم الغموم كلها والحسرات، فتجعل النار بمرأى منهم فيهلكون
(١١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 113 114 115 116 117 118 119 120 121 122 123 ... » »»