التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٤ - الصفحة ٦٧
ثلاجة أوجه:
أحدها - أنهم لما عظموهما تعظيم الآلهة أطلق ذلك عليهما كما قال " اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله " (1) وإنما أراد تقريعهم على معصيتهم.
والثاني - انهم جعلوه إلها وجعلوا مريم والدة له ميزوها من جميع البشر تمييزا شابهت الإلهية وأطلق ذلك، لأنه مستخرج من قصدهم. وان لم يكن صريح ألفاظهم، على طريقة الالزام لهم.
الثالث - انهم لما سموه إلها وعظموها هي، وكانا مجتمعين سماهما إلهين على طريقة العرب كقولهم: القمران للشمس والقمر، والعمران لأبي بكر وعمر قال الشاعر:
جزاني الزهدمان جزاء سوء * وكنت المرء يجزى بالكرامة (2) يريد زهدما وقيسا ابني حزن القيسين، وهذا كثير، وذكر لي بعض النصارى الذي قرأ كتب النصارى عن جاثليق لهم لم يكن في زمانة مثله:
أنه سأله عن هذا فقال: كنت شاكا في ذلك إلى أن قرأت في كتاب ذكره أن فيما مضى كان قوم يقال لهم المريمية كانوا يعتقدون في مريم أنها آلهة، فعلى هذا القول أقرب. وورد كما قلناه أفي الحكاية عن اليهود أنهم قالوا: عزير ابن الله. وقد ذكرناه في سورة التوبة.
وقوله " سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق " معناه أنزهك أن يكون معك آلهة وأن يكون للأشياء إله غيرك، واعترف بأنه لم يكن لي أن أقول هذا القول. وقوله " إن كنت قلته فقد علمته " أي لم أقله لأني لو كنت قلته لما خفي عليك إذ كنت علام الغيوب. وقوله " تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك " أي تعلم غيبي ولا أعلم غيبك، لان ما في نفس عيسى وما

(1) سورة 9 التوبة آية 33.
(2) اللسان (زهدم) نسبة إلى قيس بن زهير.
(٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 ... » »»
الفهرست